{السنة 6
قَبل الهجرة}
فلمَّا رَأت قُريش أن أصحاب رسول الله أصابوا بالحَبشة أمناً
وقَراراً، وأن الشُّجاع المِقدام عُمر بن الخطَّاب قد أسلَم فكان هو وحَمزة
بن عَبد المطلب مع رَسول الله[1]؛ اجتمَعوا على أن يَكتُبوا صَحيفة يَتعاقدون فيها على بَني هاشم[2] وبَني
المُطلب[3]:
على أن لا يَنكَحوا إليهم، ولا يُنكِحوهم، ولا يَبيعوهم شَيئا، ولا يَبتاعوا مِنهم..
ثم تَعاهدوا وتَواثقوا على ذَلك، وعَلَّقوا الصَّحيفة في جَوف الكَعبة تَوكيداً
على أنفسهم؛ فانحازت بنو هاشم وبنو المُطلب إلى أبي طالب، فدَخلوا
مَعه في شِعبه[4]، إلا
واحداً مِنهم هو أبُو لهَبْ؛ فقد خَرَجَ عن إخوته وناصَر قُريشا.. وبَقيَ بَنُو هاشم وبَنو المُطلب في الشِّعب
على ذلك الحال سَنتين أو ثَلاث يُعانون
مِن شَظف العَيش؛ لا يَصل إليهم شَيء إلا سِراً، مُستخفيا به مَن أراد صِلتهم بِه مِن قُريش، إلى أن نُقضت الصَّحيفة؛
وكان ذلك بَعد ذَهاب هِشام بن عمرو بن رَبيعة إلى
زُهير بن أبي أمية، وكان يُساعد
بَني هاشم في مِحنتهم، ويَمُدهم وبَني المُطلب بالطَّعام..
فقال لزُهير وكانت أمُّه مِن بَني المُطلب: يا زُهير، أقد رَضيت
أن تَأكل الطعام وَتَلبس الثياب وتَنكح النِّساء، وأخوالك حَيث قد عَلمت لا يُباعون
ولا يُبتاع مِنهم، ولا يَنكحون ولا يُنكح إليهم.. فقال له زُهير: وَيحَك[5]
يا هِشام!!
فمَاذا أصنع؟ إنما أنا رَجل واحد،
والله أنْ لَوْ كان مَعي رَجلٌ آخر لقُمتُ في نَقضها حَتَّى أنقضَها. فقال هِشام: قد وَجدتَ رَجُلا.
قال زُهير: مَن هو؟. قال هشام:
أنا. فقال زُهير: أبغنا رَجلا ثالثا. فذَهب هِشام إلى
مُطعم بن عَدِي فوافَق، ثم إلى أبي البَخْتَري فوافَق، ثم زَمْعَة
بن الأسود فوافَق، فاجتمع الخَمسة – وكانوا مِن أشراف قريش – وتَعاقدوا
على القِيام بنَقض الصَّحيفة. فلمَّا أصبحوا
أقبَل
زُهير ومَن اتفق مَعه، فدَعى قُريشا إلى نَقض الصَّحيفة، فاعترض أبو جَهل..
فقام مَن اتفق مع زُهير وطالبوا بِنَقض الصَّحيفة فرَضَخت قريش؛ فقام مُطعم
بن عُدي إلى الصَّحيفة ليشُقها، فَوَجد الأرَضَة[6]
قد أكلَتها إلا: باسمك اللهم. وكان رسول الله قد أخبَر المُشركين مِن قَبل بذلك، فلمَّا رَأوها ما زادهم ذلك إلا غَيّاً[7]
وعُدوانا.
السابق التالي
[1]
_ذكر ابن كثير قول زياد
البكائي: حدثنا مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم، قال: قال ابن مسعود: إن إسلام عُمر
كان فَتحاً، وإن هِجرته كانت نَصراً، وإن إمارته كانت رَحمة، ولقد كُنَّا وما
نُصلي عند الكعبة حتى أسلم عُمر، فلما أسلم عمر قاتل قريشا حتى صَلَّى عند الكعبة
وصَلينا معه )ابن كثير: (3/79.
[2]
_بَنو
هاشم: هم
بَنو هاشم بن عَبد مَناف بن قُصَي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن
فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وإلى الهاشميين ينتسب رَسول الله صلى الله عليه
وسلم. وكان هاشم بن عبد مَناف قد أنجب عبد المُطلب بن هاشم جَدِّ الرسول صلى الله عليه
وسلم.
[3]
_بَنو المُطلب: هم بَنو المُطلب بن عَبد مَناف بن قُصَي
بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. و بَنو
هاشم وبَنو المطلب يَجمعهم نَسبٌ واحد كما رأينا، وكانوا مُتحِدين في الجَاهلية
والإسلام.
[4] _الشعب: سَبق شَرحه، والمَقصُود هُنا؛
شِعب أبي طالب، أو شِعب بَني هاشم؛ وهُوَ المَكان الذي قُوطِعت وحُوصِرت فيه بَنُو
هاشم؛ وذلك للضَّغط على رَسول الله صلى الله عليه وسلم، ولِثَنيه عَن الدَّعوة
لدِين الله، وكان في بَني هاشم وبَني المطلب؛ المُسلمون والكُفار.
[6] _الأرَضة:
حَشرة بَيضاء مُصفَرَّة تُشبه النَّملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق