عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

16- خُرُوجه صلى الله عليه وسلم إلى الطَّائف:




{السَّنة 3 قبل الهجرة}


وبَعد أن استفحل شَرُّ قُريش وكَثُر أذاهم به؛ خَرَج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف[1] يَلتمس مِن قوم ثَقيف[2] النُّصرة؛ راجيا أن يَقبلوا مِنه ما جاءهم به مِن الله عَز وجل؛ فخَرج إليهم ماشيا[3] يَصحَبُه زَيد بن حارثة. فلمَّا انتهى إليهم عَمَدَ إلى نَفر هُم سادة ثَقيف وأشرافُهم؛ فجَلس إليهم ودَعاهم إلى الله، وكلَّمَهم بما جاءَهم له؛ مِن نُصرته والقِيام مَعه على مَن خالفه مِن قومه؛ فكَذَبوه وأهانوه.. فلما رَأى إعراضهم؛ طَلب منهم أن يَكتموا عن قريش خَبر قُدومه؛ فلم يُجيبوه، وأغرَوا به سُفهاءَهُم وعَبيدهم[4] يَسُبُّونَه ويَصِيحُون به حتى اجتمع عَليه الناس، وجَعلوا يَرمونه بالحِجارة حتى سالت قَدماه الشَّريفتان بالدِّماء، وكان زَيد بن حارثة يَقيه بنَفسه[5].. واستمر أهل الطائف برَمي الحِجارة والصِّياح في وَجه رسول حتى ألجؤوه إلى حائط؛ فَعَمِدَ الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى ظِلِّ حَبَلَة[6] مِن عِنب فجَلس فيه وهو يَقول: «اللَّهُمَّ إلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاس، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟[7] أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتُكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ وَصَلحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى[8] حَتّى تَرْضَى، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِك»[9]. فجَاءَه غُلام نَصراني يُقال له عَدَّاس بِطَبَق مِن عِنب أرسله مَعه سَيِّداه[10] بعدما رَقَّا له.. فلمّا أراد رسول الله أن يَأكل قال: «بسم الله»[11]. ثم أكلَ، فقال عَدَّاس: والله إن هذا الكلام ما يَقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول الله: «ومِنْ أهْلِ أَيِّ البِلاد أنْتَ يا عَدَّاسُ؟ وما دِينك؟»[12]. قال: نَصراني، وأنا رَجل مِن أهل نَينَوَى[13]. فقال رسول الله: «مِنْ قَرْية الرَّجُل الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى؟»[14]. فقال عداس: وما يُدريك ما يونس بن متى؟. قال رسول الله: «ذَاكَ أخِي، كَانَ نَبِيًّا وأنا نَبي»[15]. فأكبَّ عداس على رسول الله يُقبِّلُ رَأسه ويَديه وقَدميه وقد أيقن أنه رسول الله.. وبعد مدة يسيرة غادر الحبيب صلى الله عليه وسلم الطَّائف راجيا مِن الله تعالى أن يَهدي قَومها.. وفي طَريقه نَزل بمَوضع يُقال له نَخلة[16]؛  فلمَّا كان جَوف الليل؛ قام يُصلي فمَرَّ به نَفر مِن الجن، فاستمعوا للقرآن الكريم.. فلما فَرَغ رسول الله؛ وَلّوْا إلى قَومهم مُنذرين وقد آمنوا بالله وبرسوله.. وعندما اقترب عليه الصلاة والسلام مِن مكة لم يَتمكن مِن دُخولها؛ إذ عَلم كفار قريش بتَوجهه إلى الطائف يَستنصر بأهلها عَليهم. فأرسل إلى مُطعم بن عَدِي وهو مِن أشراف قريش يُخبره أنه داخل مكة في جِواره[17]؛ فاستجاب مُطعم لذلك ودَخل عليه الصلاة والسلام مكة.

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html


 [1]_الطائف: بَلد في الجنوب الشرقي مِن مكة.
[2] _ثقيف: قبيلة عَربية تقيم منذ ما قبل الإسلام وإلى اليوم في مَدينة الطائف وما حولها.
[3] _مَشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُقارب المِئَة كيلومتر مِن مكة إلى الطائف على قَدميه الشَّريفتين ورَجع إلى مكة ماشيا أيضاً. وذكرت بعض الرِّوايات أنه كان مَعه مَولاه زَيد بن حارثة.
[4] _أي حَرَّضُوهم عليه.
[5] _لم يَذكر ابن هشام صُحبة زيد بن حارثة، ولا رَمْيَ القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحِجارة.
 [6]_الحَبْلَةُ: الكَرْم.
[7] _يَتجهمني: يَنظر إليَّ بوَجه كَريه.
[8] _العُتبى: الرِّضَى.
)_ [9]ابن هشام: (2/29-30.
[10] _هما: عُتبة بن ربيعة وشَيبة بن ربيعة؛ وكان الحائط الذي جَلس النبي صلى الله عليه وسلم تَحته لَهُما، وقد رَقا له حين رأوا ما أصابه مِن قوم ثقيف.
)_ [11]ابن هشام: (2/30.
)_ [12]ابن هشام: (2/30.
[13] _نَيْنَوَى: قرية بالعراق، وهي حاليا محافَظة في شمال العراق.
)_ [14]ابن هشام: (2/30.
)_ [15]ابن هشام: (2/30.
[16] _مَوضع بين مكة والطائف.
[17] _أي: في حِمايته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية