{مَوسِم
الحَج، السَّنة الأولى قبل الهجرة}
فلمَّا أراد الله
عَزّ وجَلّ إظهار دِينه، وإعزاز نَبيه؛ خَرَجَ رسول الله يَعرض نَفسه على قَبائل العَرب كَمَا كان يَصنع في كل
مَوسم. فبينَما هو عِند العَقبة[1] إذا به يَلقى
جَمَاعة مِن الخَزرج[2] أراد
الله بهم خَيراً؛ فدَعاهم إلى الله تعالى، وعَرَضَ عَليهم الإسلام وتَلاَ عَليهم القُرآن، وكان
هؤلاء الخَزرج يَقطنون بيَثرب – المدينة المنورة– [3] وكان
مَعهم في بِلادهم اليَهود وكانوا أهل كِتاب وعِلم، وكانوا هُم أهل شِرك وأصحاب أوثان،
وكانوا قد غَلبوهم في بِلادهم وقَهروهم؛ فكانوا إذا كان بَينهم نِزاع أو خِصام
قالوا لهم: إن نَبياً مَبعوثٌ الآن قد أظلَّ زَمانه نَتبعه فنَقتلكم مَعه قَتل عاد وإرم[4]..
فلما كلَّم رسول الله أولئك النَّفر مِن الخَزرج ودَعاهم إلى الله؛
قال بَعضهم لبَعض: يا قوم تَعلَّموا والله إنه للنَّبي الذي تُوعِدكم به يَهود فلا تَسبقَنَّكم
إليه.. فأجابوه فيما دَعاهم إليه، ثم انصرفوا عَنه راجعين إلى بِلادهم وقد آمنوا
وصَدَّقوا[5]. فلمَّا
قدِموا المَدينة ذَكروا لِقَومهم رسول الله، ودَعوهم إلى الإسلام؛
فلم تَبقَ دار مِن دُور الأنصار إلا وفيها ذِكر مِن رسول الله.. حَتَّى إذا كان
العامَ المُقبل جاءَ إلى المَوسم مِن الأنصار اثنا عشر رَجُلا[6]، فَلقوا
رَسول الله بالعَقبة وهي العَقبة
الأولى، فبايَعُوه[7] على أن
لا يُشركوا بالله شَيئاً ولا يَسرِقون، ولا يَزنُون، ولا يَقتلون أولادَهم، ولا يَأتُون
بِبُهتان يَفترونه مِن بَين أيديهم وأرجلهم، ولا يَعصُونه في مَعروف[8]. فلمَّا أرادُوا
الإنصراف بَعَث مَعَهم مُصعب بن عُمير، وأمَرَهُ أن يُقرئَهم القُرآن، ويُعَلّمَهم
الإسلام، ويُفقههم في الدِّين؛ فكان بِذلك أول سَفير في الإسلام.
السابق التالي
[1] _العَقَبَةُ: المَرْقَى الصَّعب مِن
الجبال. والمَوضِع المَقصود هنا هو عَقبة مِنى؛ ومنها تُرمى جَمرة العَقبة.
[2]_الأوسُ والخَزرج: قبيلتان مِن قبائل غَسان بن الأزد الكهلانية
القَحطانية، هاجرت إبان انهيار سَد مأرب في اليمن لتَستوطن يَثرب أو المَدينة
المُنورة حاليا. وقد اشتُهرتا هاتين القبيلتين بالأنصار؛ لأنهم نَصروا الرسول صلى
الله عليه وسلم. وقد آخى الرسول بَينهم وبَين المُهاجرين؛ وذلك بَعد الهجرة إلى
المدينة المنورة.
[3] _كانت المَدينة خَليطا مِن العَرب المُشركين واليَهُود
المُهاجرين إليها. وكان العَرَب المُشركون يَنقسمون إلى قبيلتين كبيرتين: الأوس
والخزرج. وكانت اليَهود ثلاث قبائل: بني قريظة )كانت حَليفة الأوس،
وكانت دِيارهم بضواحي المدينة(،
وبني قينقاع )كانوا حُلفاء الخزرج،
وكانت دِيارهم داخل المدينة(،
ثم بني النضير. )ملاحظة: اليَهود لم تكن
لَهم أرض في أرض العرب، إنما استأذنوا العَرب ليَدخلوا أرضهم؛ فحَلُّوا بها بعد
هُروبهم مِن بلاد الشام وما فوقها(.
[4]
_عاد وإرم: جيل مِن العَرب العاربة أو البائدة، كانت
دِيارهم في جهة حَضر موت؛ بَلغوا مِن القوة مَبلغاً كبيرا، وقد أهلكهم الله سبحانه
وتعالى بعد أن طَغَوْا في الأرض..
[5] _وهُم سِتة نَفر: أسْعَدُ
بن زُرَارَة، عَوفُ بن الحَرث بن رِفاعة، رافعُ بن
مالك بن العَجْلان، قُطبَة بن عامر بن حديدة، عُقبَة
بن عامر بن نابى، جَابرُ بن عبد الله بن رِئاب. (ابن هشام: 2/38)
[6] _وهم؛ مِن الخَزرج: أسعد
بن زُرَارَة، عَوفُ بن الحرث بن رِفاعة، مُعاذ بن
الحرث بن رفاعة، رافعُ بن مالك بن العَجْلان، ذَكْوَان بن عَبْد قَيْس، عُبَادَة
بن الصَّامت، يزيدُ بن ثعلبة، العباس بن عُبَادة،
عُقبَةُ بن عامر بن نابي، قُطبة بن عامر بن حديدة. ومِن
الأوس: أبو الهَيْثَم بن التَّيْهَان (اسمه مالك)، عُوَيْم بن
ساعدة. (ابن هشام: 2/40)
[7] _البَيعة: البَيعة عَهد على الطاعة مِن
الرعية للراعي، وإنفاذ مُهمات الراعي على أكمل وَجه، وأهمها سياسية الدين والدنيا
على مُقتضى شرع الله تعالى.
[8] _وسُميت هذه البَيعة
بِبيعة النِّساء؛ لأن الجِهاد لم يُفرض بَعد، و النِّساء لا يُطلب مِنهن
الجِهاد أو الحَرب، إنما يُطلب مِنهن ما طُلب مِن الأنصار في هذه البَيعة. ونَص
البَيعة مَذكور في (ابن هشام: 2/41).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق