عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

19- بَيعة العَقَبة الثانية:




{مَوسم الحج، السَّنة الأولى للهجرة}
 

ثم رَجع مُصعب بن عُمير إلى مَكة في السَّنة التالية، ومَعه مِنَ الأوس والخَزرج ثَلاثة وسَبعون رَجُلاً وامرأتان[1]؛ خَرجوا مَع قَومهم للحَجِّ[2] فواعَدوا رَسول الله العَقبة مِن أوسط أيام التَّشريق.. فلما فَرغوا مِن الحَج وكانت الليلة التي وَاعدوا فيها رسول الله؛ كَتَموا عَن قَومهم الأمر، حَتى إذا مَضى ثُلث الليل خَرجُوا يَتَسللون حتى اجتمعوا في الشِّعب عند العَقبة يَنتظرون رسول الله.. وبَعد لَحظات جاء إليهم[3]، فتَكلم؛ فتَلا القُرآن، ودَعَا إلى الله، ورَغَّب في الإسلام، ثم قال: «أُبَايُعُكم عَلَى أنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُون مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُم»[4]. فأخذ البَراء بن مَعرور وكان سَيِّدهم بيَد رسول الله وقال له: نَعم والذي بَعثك بالحق لنَمنَعَنَّك ممَّا نَمنع مِنه أُزُرَنا[5] فبَايعنا يا رسول الله، فنَحن والله أهل الحُروب، وأهل الحَلْقَة[6] وَرِثناها كابراً عن كابر. فاعترض القَول والبَراء يَتكلم أبو الهَيثم بن التَّيَّهَان فقال: يا رسول الله، إن بَيننا وبين الرِّجال حِبالا )يَعني اليَهود(، وإنَّا قاطِعوها، فهل عَسَيْتَ إن نَحن فَعَلنا ذلك ثم أظهرك الله أن تَرجع إلى قَومك وتَدَعَنا؟ فتَبَسَّم رسول الله ثم قال: «بَلِ الدَّمُ الدَّمُ، وَالهَدْمُ الهَدْمُ، أنا مِنْكُم وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحارِبُ مَن حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ»[7]. فبَايَعُوه على أن يَنصُروه ويَمنعوه مِمّا يَمنعون مِنه أنفُسَهم وأهليهم وأولادهم، وأن يَأمروا بالمَعروف ويَنهوا عن المُنكر، وأن لا يَخافوا في الله لَومَة لائم.. ثم قال لهم: «أخْرِجُوا إليَّ مِنْكُمُ اثنَيْ عَشَرَ نَقِيباً لِيَكُونُوا عَلَى قَوْمهِمْ بِمَا فِيهِمْ»[8]. فاخرَجُوا مِنهم اثنَا عَشر نَقيبا: تِسعة مِن الخَزرج، وثَلاثة مِن الأوس[9]. فقال لهم: «أنْتُم عَلَى قَومِكُم بما فِيهم كُفَلاء كَكَفالة الحَوارِيِّينَ لِعِيسَى بن مَريم. وأنا كَفِيلٌ على قَوْمِي»[10]؛ )يَعني المُسلمين(. فقالوا: نَعَمْ. ثم أمَرهم عليه الصلاة والسلام بالرُّجوع إلى رِحالهم فقال له العَبَّاس بن عُبادة: والله الذي بَعَثك بالحق إن شِئتَ لنَمِيلَنَّ على أهل مِنًى[11] غَداً بأسيافنا. فقال عليه الصلاة والسلام: «لَمْ نُومَرْ بِذَلك، وَلَكِنْ ارْجِعُوا إلى رِحَالكُم»[12]. فرَجَعوا إلى مَضاجعهم فناموا حتى الصَّباح.. فلمَّا أصبحوا جاءهم سادة قريش فقالوا لهم: يا مَعشر الخَزرج إنه قد بَلغنا أنكم قد جِئتم صاحبنا هذا تَستخرجونه مِن بَين أظهرنا وتُبايعونه على حَربنا، وإنه والله ما مِن حَيٍّ مِن العَرب أبغَضَ إلينا أن تَنشب الحَرب بَيننا وبَينهم مِنكم.. فقام مُشركوا الخَزرج يِحلفون بالله ما كان مِن ذلك شيء وما عَلموه. فصَدَّقوهم، وكانوا صادقين؛ إذ لم يَعلموا بخُروج فِئة مِن قَومهم تلك الليلة إلى رسول الله.. فلما تمَّ الحَج وخَرَج القَوم قاصدين دِيارهم؛ تَحَرَّت قريش الخَبر فوَجدته صَحيحاً فخَرجوا في طَلبهم؛ فأدركوا سَعد بن عُبادة والمُنذر بن عمر  وكانا مِمَّن شَهِدَ العَقبة أما المُنذر فقد هَرب بعد أن أعجَزَهم بهُروبه، وأما سَعد فأدركوه وأخذوه، فرَبطوا يَديه إلى عُنقه، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة؛ يَضربونه ويَجذِبُونه بشَعره  وكان كثير الشعر فلما كَثُر به الضَّرب جاءه رَجل كان مَعهم فقال له: وَيحك!! أما بَينك وبَين أحدٍ مِن قريش جِوار ولا عَهد؟ قال سَعد: بلى والله. لقد كُنتُ أُجِيرُ لجُبير بن مُطعم بن عَدِي تِجارته وأمنَعُهم مِمَّن أراد ظُلمهم ببلادي، وللحَرث بن حَرب بن أمية. فقال الرُّجل: وَيحك!! فاهتف باسم الرَّجُلين، واذكر ما بَينك وبَينهما. فَفَعَل سَعد؛ فجاءَا إليه وخَلَّصاه مِن أيديهم..

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html

[1] _نَسيبة بنت كعب (أمُّ عمارة)؛ وهي من بَني النجار، وأسماء بنت عمرو (أمُّ منيع)؛ وهي مِن بَني سلمة.
[2] _كانت قريش وسائر العَرب يَحُجُّون قبل بِعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان عندهم شيء مِن شَريعة إبراهيم عليه السلام إلا أنهم غيروا كثيرا منها.. وكفار قريش لم يَكونوا يُصَلون، وغاية ما عِندهم أنهم كانوا يُصفقون ويُصفرون في الحَرم إلى غير ذلك  مِن الضَلالات..
[3] _كان مَعه عمه العباس بن عبد المطلب؛ ولم يَكن مُسلما حينها.
[4] _(ابن هشام: 2/50).
[5] _أي: نِساءَنا؛ والمَرأة يُكنى عنها بالإزار.
[6] _الحَلقة: السلاح.
[7] _(ابن هشام: 51-2/50).
[8] _(ابن هشام: 2/51).
[9] _وهُم؛ مِن الخَزرج: أسعد بن زُرَارَة، سَعْد بن الرَّبيع بن عَمْرو، عبدُ الله بن رَوَاحة، رافع ابن مالك بن العَجْلان، البَراء بن مَعرور، عبدُ الله بن عَمْرو بن حَرَام، عُبَادة بن الصَّامِت، سَعْدُ بن عُبَادة، المُنذر بن عَمْرو. ومِن الأوس: أُسَيْد بن حُضَير، سَعْدُ بن خيثمة، ورفاعة بن عبد المنذر. (ابن هشام: 2/51) قال ابن هشام: "وأهل العِلم يعدون فيهم أبا الهَيْثم بن التَّيهان، ولا يعدون رفاعة" (ابن هشام: 2/53). ومَعنى النَّقِيبُ: كَبير القوم المَعنيُّ بشُئونِهم.
 [10]_(ابن هِشام: 2/55).
[11] _مِنَى: مِنطقة صَحراوية شَرق مَكة في الطريق بين مَكة وجَبل عَرفة، وهي التي يَنزلها الحُجّاج أيّام التشريق؛ يَرمون فيها الجِمار.
[12] _(ابن هِشام: 2/57).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية