عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

25- غَزوة بَدر الكُبرى:





{الجُمعة، السابع عشر من رمضان، السَّنة 2 للهجرة}


ثم سَمِع رسول الله بأبي سُفيان ابن حَرْب مُقبلا مِن الشام مَع رِجال قُريش، في عِيرٍ عَظيمة؛ وهي العِير التي أراد اعتراضها مِن قَبل[1]. فقال لأصحابه: «هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيها أمْوَالُهُمْ فاخْرُجُوا إلَيْها لَعَلَّ الله يُنَفِّلُكُمُوهَا». وما هي إلا ساعات حتى عَلِمَ أبو سُفيان بما أعَدَّه رسول الله لَه، فأخذ حذره، وبَعث رَجلا يُخبر قُريشا بذلك.. وخَرَجَ رسول الله مُستخلفا عبد الله بن أم مكتوم على المَدينة، و كان يَحمل لِوائه مُصعب بن عُمير العبدري، وكان مَعه ثَلاثمائة وثَلاثَة عَشر رَجلا.. وخَرَج المُشركون مِن قريش؛ وكان عَدَدهم تِسعمائة وخَمسين رَجُلا مَعهم مائة فَرَسٍ وسَبعمائة بَعير.. أما أبو سفيان فقد نَجا بالعِير؛ بعد أن تَرَك الطريق المَعلومة وسار مُتَّبِعا ساحل البَحر؛ فأرسَلَ إلى قُريش يُعلمهم بذلك، ويُشير عَليهم بالرُّجوع، غير أن أبا جهل أبَى إلا أن يُقاتل، وتَبعه في ذلك قَومه.. ولم يَكُن النبي صلى الله عليه وسلم يَعرف شَيئاً مِمَّا هَمَّ به المُشركون، ولم يَكن خُروجه إلا للعِير. فلمَّا عَلِمَ بما أعدَّته قريش استشار الناس؛ فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عُمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المِقدَاد بن عَمْرو فقال: يا رسول الله امْضِ لِمَا أرَاكَ الله، فنَحنُ مَعك، والله لا نَقول لَك كما قالت بنو إسرائيل لمُوسى: {فاذْهَبَ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَۚ}[المائدة: 26]. ولكن اذهب أنتَ وَرَبُّك فقاتلا إنا مَعكُما مُقاتلون؛ فوَالذي بَعثك بالحَق لَو سِرتَ بِنا إلى بَرْكِ الغِمَادِ[2] لَجَالَدْنَا مَعك مِن دُونه حتى تَبلغه. فدَعَا له النبي صلى الله عليه وسلم بخَير، ثم قال: «أشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاس»[3]. يريد بقوله الأنصار[4] فقال سَعد بن مُعاذ  سَيّد الأوس والله لكَأنَّكَ تُريدنا يا رسول الله، فقال: «أَجَلْ»[5]. قال سَعد: قد آمنا بك وصَدَّقناك وشَهِدنا أنّ ما جِئتَ به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عُهودنا ومَواثِيقَنا على السَّمع والطّاعة؛ فامض يا رسول الله لِمَا أردت فنَحنُ مَعَك، فوالذي بَعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البَحر فَخُضته لخُضناه مَعك ما تخلَّف مِنَّا رَجل واحد وما نَكره أن تَلقى بنا عَدُونا غَداً. إنا لَصُبُرٌ في الحَرب صُدَّقٌ في اللقاء، ولَعَلَ الله يُريك منَّا ما تَقَرُّ به عَينك، فسِر على بَركة الله. فأشرق وَجه النبي وسُرَّ بذلك، ثم قال: «سِيرُوا وأبْشِرُوا فإن الله تَعَالى قد وَعدني إحدى الطَّائِفَتَين. والله لَكَأَنِّي الآن أنْظُرُ إلَى مَصَارِع القَوْم»[6]. ثم مَضى المُشركون حتى نَزَلوا بالعَدوة القُصوى مِن الوادي، ونَزَل رسول الله على أدنى ماءٍ مِن مِياه بَدر؛ فقال له الحُباب بن المُنذر: يا رسول الله، أَرَأَيت هذا المَنزل أمَنزلاً أنزَلَكه الله لَيس لنا أن نَتقدمه ولا نَتأخر عنه، أم هو الرَّأي والحَرب والمَكيدة؟ قال عليه الصلاة والسلام: «بل هو الرَّأيُ والحَربُ والمَكيدَةُ»[7]. فقال الحُباب: يا رسول الله، فإن هذا لَيس بمَنزل فانهض بالنَّاس حَتى نَأتي أدنَى ماءٍ مِن القَوم فنَنْزِلَه، ثم نُعَوِّرُ[8] ما وَراءَهُ مِن القُلب[9]، ثم فبْنِي عليه حَوضاً فَنَملؤه ماءاً، ثم نُقاتل القَوم، فنَشرب ولا يَشرَبون. فقال رسول الله: «لَقَدْ أَشَرْتَ بالرَّأْي»[10]. فنَهَض عليه الصلاة والسلام وتَحَوَّل إلى المَكان الذي أشار به الحُباب بن المُنذر.. وما هي إلا لَحظات حتى التقَى الفَريقان؛ وكان في المُشركين أبو جَهل بن هِشام و أمَيَّة بن خَلف و عُتبة وشَيبة ابنا رَبيعة، وعُقبة بن أبي معيط وغَيرَهم مِن سادات قريش، إلا أبا لَهب؛ فقد تَخلَّف عَنِ القِتال وبعَثَ مَكانه العاص بن هِشام.. ثم تزاحَفَ الناس للحَرب، ودَنا بَعضُهم مِن بَعض، وذلك صَبيحة يوم الجُمعة السَّابع عَشر مِن  شهر رَمضان مِن السنة الثانية للهجرة؛ فعَدَّلَ الرسول صلى الله عليه وسلم الصُفوف، ثم رَجع إلى أبي بكر داخل العَريش[11] يَدعو الله أن يَنصره على القَوم الكافرين.. و بَدَأ القِتال بَين الفَريقين؛ ورُمِيَ مِهْجَعٌ مَولى عُمر بن الخطاب بِسَهمٍ فقُتل؛ فكان رَحِمه الله تعالى أوّل قَتيل مِن المُسلمين.. ثم خَرَجَ عليه الصلاة والسلام إلى النَّاس فحَرَّضَهم، وقال «والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيدِهِ لا يُقاتِلُهُمُ اليَوْمَ رَجُلٌ فَيُقتلُ صَابِراً مُحْتَسِباً مُقبِلاً غَيرَ مُدْبِرٍ إلا أدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ»[12]. فقال عُمَير بن الحُمَام، وفي يَدِهِ تَمَرَاتٌ يَأكُلهن: بَخْ بَخْ[13]، أفمَا بَيني وبَين أن أدخل الجنة إلا أن يَقتُلني هَؤلاء. ثم قذَفَ التَّمَرَات مِن يَده، وأخَذَ سَيفه، فَقَاتَل القَوم حَتَّى قُتِلَ رَحِمه الله تعالى.. وأيَّد الله تَعالى المُسلمين بالمَلائكة يُقاتلون إلى جانبهم.. وما هي إلا لَحظات حتى انهزَمَ المُشركون.. وقُتِل مِنهم سَبعين رَجلا؛ بَينهم أبو جَهل، وأمَيّة بن خَلف، وعُتبة وشَيبة ابنا رَبيعة و عُقبة بن أبي معيط والعاص بن هِشام وغَيرهم مِن أشراف قريش، وأُسِرَ مِثلهم[14].. وقد اسْتُشهدَ مِن المُسلمين أربعة عَشر رَجُلاً.. وأمَرَ الرسول صلى الله عليه وسلم قَتلى المُشركين أن يُطرحوا في الْقلِيبِ[15]، فطرحوا، إلا مَا كان مِن أميَّة بن خَلف؛ فإنه انتَفَخَ في دِرعه، فمَلأها، فذَهبوا يُحَرِّكوه، فتزَايل لَحْمُه[16]؛ فألقوا عَليه ما غَيَّبَه مِن التُراب والحِجارة.. ثم عادَ النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى المَدينة ومَعهُم الأسارى[17]، فقال فيهم لأصحابه: «اسْتَوْصُوا بالأَسَارَى خَيْراً»[18]. وما هي إلا ساعات حتى بَلغ قريش مُصَابَها؛ فَفزِعُوا وفَزِع بَينهم أبو لهب فَزَعاً شَديدا.. فَتَقهقرت بذلك قُوتهم، وتَدنَّت بَين العَرَبِ مَكانتهم، وحَقق الله تعالى لنَبِيه وَعده بالنَّصر والتَّمكين..

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html


 [1]_غَزوة العُشيرة.
[2] _بَرك الغماد: مَوضع بناحية اليمن.
[3] _(ابن هشام: 2/253).
[4] _لأن بَيعة العَقبة رُبُّما يُفهم مِنها أنه لا تَجب عَليهم نُصرته إلا ما دام بين أظهرهم )نور اليقين: (107.
[5] _(ابن هشام: 2/254).
[6] _(ابن هشام: 2/254).
[7] _(ابن هشام: 2/259).
[8] _نُعوِّرُ: نفسد؛ ذَكر المُحقق في الهامش: وذلك بأن يَقذفوا في القُلب أي البئر أحجارا وترابا فيُفسدوها على أعدائهم (ابن هشام: 2/260).
[9] _أي: البئر.
[10] _(ابن هشام: 2/260).
[11] _العَريش: مَا يُسْتَظَلُّ بِه،ِ وَيُتَّخَذُ مِنَ الأَغْصَانِ أَوْ سَعَفِ النَّخيل، وقد بُنيَ برَغبة مِن الصَّحابة، وكان أول مَن اقترح بِناءه؛ الصحابي الجليل سعد بن معاذ.
[12] _(ابن هشام: 2/267).
[13] _كلمة تُقال عِند الإعجاب أو الفخر.
[14] _سَبعين رَجُلاً.
[15] _القُليب: البئر.
[16] _تَزَايَلَ لَحمه: تفرَّقت أعضاؤه.
[17] _الأَسارى: مَنْ أُخِذَ في الحَرْبِ وقُبِضَ عَلَيْهِ، والمُفرد: أسير.
[18] _(ابن هشام: 2/288).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية