{السَّنة 2 للهجرة}
ولمّا قدِمَ الحبيب
صلى الله عليه وسلم إلى المَدينة؛ لم
يُقِم بها إلا سَبْعَ لَيال حَتى غَزا قبيلة بَني سُليم[1] بعد أن عَلِمَ بتَحرُّكهم مَع غَطفان
ضِدَّ المُسلمين، وكان ذَلك في بِداية شَهر شوال، وقد استخلف على
المَدينة سِباعَ بن عُرْفُطَة الغِفَارِيَّ[2]. فلمّا بَلغ
مَوضعا يُقال له الكُدْر[3] أقام
عليه ثَلاث لَيال ولم يَلق قِتالا، فرَجع إلى المَدينة وقد أُفدِيَ بعد رُجوعه جُلُّ
الأسارى الذين أسِرُوا في غَزوة بَدر.. وفي مُنتصف شَوَّال كان أمرُ
بَنُو قَينقاع؛ وهُم أوّل يَهود نَقضوا ما بَينهم وبَين رسول الله وحارَبُوه، بعد
أن انتهكوا حُرمة امرأة مِن المُسلمين؛ وكانوا يُجاورونه عليه الصلاة والسلام بالمَدينة؛ فحَاصَرهُم
فيها.. وقد استخلف على المَدينة بَشير بن عبد المُنذر –
أبو لبابة الأنصاري –
وكانت مُحاصرته إياهم خمسَ عَشرَة ليلة، وقد انتهت بجَلائهم[4].. أما أبو سُفيان
بن حَرب فقد كان وَقْعُ هَزيمة قريش عليه قَوياً حتى أنه نَذَرَ ألا يَمَسَّ
رَأسَه ماءً مِن جَنابةٍ حتى يَغزو رسول الله؛ فخَرج في مائتي
راكبٍ مِن قريش ليُبِرَّ يَمينه[5]، وأتَى حُيي
ابن أخطب فلم يَرض مُقابلته، فأتى سَلَّام بن مِشْكَم، وكان سَيّد بني
النُّضير في زَمانه –
وهم مِن يَهود المدينة –
فقَراه[6] وأعلمَه
مِن أخبار المُسلمين، ثم خَرَج في عَقِب لَيلته تِلك حَتى أتَى أصحابه؛ فبَعث رِجالا
مِن قريش إلى المَدينة، فأتَوْا مَوضِعاً يُقال له العُرَيْض، وَوجدوا به رَجلا
مِن الأنصار وحَليفا له في حَرث لهُما، فقتَلوهما، ثم انصرفوا راجعين.. فعَلِمَ
المُسلمون بذلك فتَأهبوا، وخَرج رسول الله في طَلبهم،
واستعمل على المدينة بَشير بن عبد المنذر، وذلك في شهر ذي الحجة..
حتى إذا بَلَغ قرقرة الكُدر؛ انصرف راجعا بَعد أن فاته أبو سُفيان وأصحابه،
ورَأى الصَّحابة طَعام السَّويق[7] مَطروحا
في الحَرث فسُميت الغَزوة بغَزوة السَّويق.
السابق التالي
[1] _قبيلة عَربية.
[2] _أو ابن أم مَكتوم (ابن
هشام: 2/421)
[3] _أو قَرقرة الكُدر؛
وهو مَوضع في الجَنوب الشرقي للمدينة.
[4] _جَلاء العدُوَّ مِن البلاد: إخراجه منها.
[5] _برَّ بيمينه: وفّى بها.
[6] _قراه: صَنع له القِرى، وهو الطعام الذي
يُقدم للضُيوف.
[7] _السويق: أن تحَمَّص الحِنطة أو الشعير ثم
تطحن ثم يُسافر بها، وقد تمزج باللبن والعَسل والسَّمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق