عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

30- غزوات: بَنِي النَّضير- ذات الرِّقاع - بَدر الآخرة:





{السَّنة 4 للهجرة}


ثم ذهب رسول الله إلى يَهود بَني النَّضير جَنوب المَدينة يَستعينهم في دِيَّة ذَينك القَتيلين؛ فخَلا بَعضهم ببَعض، وتَآمَرُوا على قَتله؛ بإلقاء صَخرة عَليه وهو قاعد تَحت جِدار لهم.. فأتَى رسول الله الخَبر بذلك؛ فقام وخَرَج إلى المَدينة، ثم أخبَر أصحابه بما أرادت اليَهود، وأمَرهم بالتَهَيُؤ لحَربهم والسَّير إليهم لأنهم نَقضوا ما كان بَينهم وبَين رسول الله وقد استعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وذلك في شَهر رَبيع الأول؛ فحاصَرهم سِتّ لَيال، ونَزل تَحريم الخَمر أثناء ذلك.. ثم قَذف الله في قُلوب اليَهود الرُّعب؛ فسألوا رسول الله أن يُجليهم ويَكف عَن دِمائهم؛ فوافق على أن لهم ما حَملت الإبل مِن أموالهم دون السِّلاح[1]. فاستجابوا.. وبعد جَلاء بني النضير وبالذات في شهر جُمادى الأولى[2] غَزَا النبي صلى الله عليه وسلم غَطفان يُريد بَني محارب وبَني ثعلبة؛ وكانوا يُريدون الإغارة على المُسلمين؛ واستعمل على المَدينة أبا ذَرٍّ الغِفاري[3].. فلما بَلغ عليه الصلاة والسلام مَوضعا بنَجد[4]؛ لقي جَمعاً عَظيما مِن غَطفان؛ فتَقارب الجَمعان ولم يَكن بَينهم قِتال.. وقد خاف الناس بَعضهم بَعضا؛ فصَلى رسول الله بالمُسلمين صلاة الخَوف وانصَرَفَ بالناس.. وقد سُمِّيَت هذه الغزوة بذات الرِّقاع[5]. وقد كان مِن المَواقف الحَميدة في هذه الغزوة والتي تَجلَّت فيها رَحمة النبي صلى الله عليه وسلم ومَحبته الشديدة لأصحابه؛ قِصة جابر بن عبد الله الذي كان شاباً فَقيراً يُعِين أهله، وكان له جَملٌ مَجهود يَسقي عَليه، وقد شارك به في هذه الغزوة.. فلمَّا وَلَّى جابر مَع الغُزاة أبطأ به جَمله.. وكان رسول الله خَلْفَ الجيش يَتفقد مَن تأخر ويُعِين الناس.. فإذا بجابر يَسمع صَوت النبي صلى الله عليه وسلم مِن الخَلف: «مَالَكَ يَا جَابر»؟[6] فخَفق قلبه وتَحَركت أشواقه فقال: يا رسولَ الله أبطأ بي جَملي هذا. فقال عليه الصلاة والسلام: «أنِخْهُ»[7]. فأنَاخَه وأنَاخَ رسول الله، ثم قال: «أعْطِنِي هذه العَصَا مِنْ يَدِكَ»[8]. فَفَعَل جابر، فأخَذَها رسول الله فنَخَسَ الجَمَل بها نَخَسَات ثم قال: «ارْكَبْ»[9]. فرَكب جابر وبَدأ جَمله يَمشي حتى أنه بَدأ يُسابق جَمل رسول الله مَشياً وسُرعة.. وفي الطريق تحدث الحبيب صلى الله عليه وسلم مع جابر مُداعبا في أسلوب رَفيق رَقيق فقال له: «أتَبِيعُنِي جَمَلَكَ هَذَا يَا جَابر»؟[10] فقال جابر: يا رسول الله، بَلْ أهَبُهُ لك. قال عليه الصلاة والسلام: «لا وَلَكِنْ بِعْنِيه»[11]. فقال جابر: فَسُمْنِيهِ يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أخَذتُهُ بِدِرْهَمٍ» .[12] ودرهم ثمن زهيد  فقال جابر: لا، إذَن تَغْبِنُنِي يا رسول الله. قال: «فبِدِرْهَمَيْنِ»[13]. قال: لا. فَلَم يَزَل يَرفع لَه رسول الله في ثَمنه حتى بَلَغَ الأُوقِيَّة[14]. فقال جابر: أَفَقَدْ رَضِيتَ يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: «نَعَم»[15]. فقال جابر: فهو لك. قال رسول الله: «قَدْ أَخَذْتُه»[16]. ثم أرادَ عليه الصلاة والسلام الوُقوف على حَاله فسَأله: «يَا جَابِرُ، هَلْ تَزَوَّجْتَ بَعْدُ»؟[17] قال: نَعم يا رسول الله. قال: «أثَيِّباً أمْ بِكْراً»؟[18] قال: بَل ثَيِّباً. قال عليه الصلاة والسلام: «أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ»[19]. فقال جابر: يا رسول الله إنَّ أبِي أصِيبَ يَوْمَ أُحُد وتَرَكَ بَناتٍ لَه سَبْعاً فنَكحتُ امرأة جامعة تَجْمَعُ رُؤوسَهُنَّ وتَقُوم عَليهن. فقال عليه الصلاة والسلام: «أصَبْتَ إِنْ شَاءَ الله، أمَا إِنَّا لَوْ قَدْ جِئْنَا صِرَاراً[20] أمَرْنَا بِجَزُورٍ[21] فَنُحِرَتْ وَأقَمْنَا عَلَيْهَا يَومَنَا ذَاكَ وسَمِعَتْ بِنَا فَنَفَضتْ نمارِقَها»[23]. (يَعني زَوجة جابر( فقال جابر: والله يا رسول الله ما لنا مِن نَمَارق. فقال عليه الصلاة والسلام: «إنَّهَا سَتَكُونُ، فَإِذَا أنْتَ قَدِمْتَ فَاعْمَلْ عَمَلاً كَيِّساً»[24]. فلما جاؤوا ذلك المَوضع الذي ذَكره رسول الله؛ أمرَ بالإبل فنُحِرَت وأقاموا عليها ذلك اليوم.. فلما أمَسى عليه الصلاة والسلام دَخَلَ ودَخَلوا. فحَدث جابر زَوجته عن حَدِيثه مع رسول الله. فقالت: فدُونَك، سَمعٌ وطاعة. فلمَّا أصبَحوا أخَذَ جابر برَأس الجَمل فأقبَل به حتى أناخه على باب مَسجد رسول الله ثم جَلس في المَسجد قَريبا منه. وخَرَج رسول الله فرَأى الجَمل فقال: «مَا هَذَا»؟[25] قالوا: يا رسول الله، هذا جَمل جاء  به جابر. قال عليه الصلاة والسلام: «فَأيْنَ جَابر»؟[26] فدُعِيَ له، فقال عليه الصلاة والسلام: «يا ابْنَ أخِي خُذ برَأسِ جَملك فَهُوَ لَك»[27]. ودَعا بِلالا فقال له: «اذهب بجابر فأعطه أوقية»[28]. فذَهب جابر مَعه فأعطاه بلال أوقية وزادَه شَيئاً يَسيرا.. فسُرَّ جابر بصَنيع رسول الله سُروراً عَظيماً، وما زال يَذكر ذلك المَوقف إلى أن مات رَضي الله عنه وأرضاه.. وكان الحَبيب  صلى الله عليه وسلم لا يَستثني في عَطائه وعَطفه مِن أصحابه أحداً؛ إذ كان أرحم الناس بالناس، وأحسن الناس، وأجود الناس صلوات ربي وسلامه عليه.. وفي شَعبان مِن هذه السنة  الرابعة للهجرة خَرج مع أصحابه إلى بَدرٍ لِمِيعاد أبي سُفيان، واستعمل على المَدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول الأنصاري؛ فأقام ببَدر ثَماني لَيالٍ يَنتظر أبا سُفيان، لكن الأخِيرَ لم يَأت خَوفاً مِن المُسلمين؛ فرَجع إلى المَدينة دُون قِتال..
السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html

[1] _بَعضهم ذَهب إلى خَيبر بعد الجلاء، والبعض الآخر سار إلى الشام، ولم يُسلم منهم إلا اثنان؛ يَامِينُ بن عُمَيْر، وأبو سعد بن وَهب؛ أسلما على أمَوالهما فأحرزاها )ابن هشام: (3/194.
[2] _اختلف عُلماء السيرة النبوية في تاريخ غزوة ذات الرقاع، لكن الراجح ما ذَكره ابن إسحاق مِن أنها كانت بعد غزوة بني النضير )والله أعلم(.
[3] _ويُقال عُثمان بن عفان )ابن هشام: (3/214.
[4] _نَجد: تعرف كذلك باسم اليَمامة، وهي أحد أقاليم شِبه الجَزيرة العربية.
[5] _يُقال بأن هذه الغزوة سُمِّيت بذات الرقاع؛ لأن الصحابة رَقَّعُوا فيها راياتهم، وقِيل لِشَجرة في ذلك المَوضع يُقال لها ذات الرقاع، وقيل سُمِّيت بجَبل هناك فيه بُقع.. والراجح أنها سُمِّيَت بذلك؛ لأن الصحابة رِضوان الله عليهم كانوا  يَلُفون على أرجلهم الخرق بعدما نقبت أقدامهم مِن طول سيرها، وتَساقطت أظفارهم مما اصطدمت بالحجارة والصُّخور )والله تعالى أعلم بالصواب(.
[6] _(ابن هشام: 3/217).
[7] _(ابن هشام: 3/217).
[8] _(ابن هشام: 3/217).
[9] _(ابن هشام: 3/217).
[10] _(ابن هشام: 3/217).
[11] _(ابن هشام: 3/217).
[12] _(ابن هشام: 3/218).
[13] _(ابن هشام: 3/218).
[14] _الأوقية: تختلف قيمتها باختلاف المَوزون حَسب المقادير الحديثة وباختلاف الأقطار؛ فأوقية الفضة مثلا عند البعض تساوى: 119 جم، وأوقية الذهب تساوي: 29.75 جم، وهكذا.
[15] _(ابن هشام: 3/218).
[16] _(ابن هشام: 3/218).
[17] _(ابن هشام: 3/218).
[18] _(ابن هشام: 3/218).
[19] _(ابن هشام: 3/218).
[20] _موضع قريب مِن المدينة على طريق العراق.
[21] _الجَزور: ما يَصلُح للنحر مِن الإبل.
[22] _النمارق: جمع نمرقة؛ وهي الوِسادة الصغيرة، وقد تقدم شرحها.
[23] _(ابن هشام: 3/218).
[24] _(ابن هشام: 3/219).
[25] _(ابن هشام: 3/219).
[26] _(ابن هشام: 3/219).
[27] _(ابن هشام: 3/219).
[28] _(ابن هشام: 3/219).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية