عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

32- غَزوة الخَندَق أو الأحزاب:






{شوال، السَّنة 5 للهجرة}


وفي شوَّال مِن السنة الخامسة للهجرة كانت غَزوة الخَندق أو الأحزاب؛ بعد أن أقبَل نَفر مِن اليَهود مِن بَني وائل وبَني النضير إلى قريش يَدعونهم لِحَرب رسول الله[1]   انتقاماً للمُسلمين بعد إجلائهم مِن المَدينة في غَزوة بَني النضير فقالوا لقريش: إنا سَنكون مَعكم عَليه حَتَّى نَستَأصِله.. فقالت قريش: يا مَعشر يَهود، إنكم أهل الكِتاب الأوّل والعِلم بما أصبحنا نَختلف فيه نَحنُ ومُحمدٌ، أفدِيننا خَيرٌ أم دينُهُ؟. قالوا: بل دِينكم خَير مِن دِينه، وأنتم أولى بالحقِّ مِنه.. فسَرَّهم ما قاله اليَهود؛ فاجتمعوا لحَرب رسول الله واستعدوا له.. ثم خَرَج أولئك النَّفر مِن اليَهود حتى جاءوا غَطَفان فدَعوهم إلى حَرب رسول الله، وأخبَروهم أنهم سَيكونون مَعهم عليه، وأنَّ قريشا قد تابَعُوهم على ذلك، فاجتمعوا مَعهم فِيه.. فلمَّا سَمع بهم رسول الله، وما أجمعوا له مِن الأمر؛ أمَرَ بِحَفر خَندق على المَدينة[2]، وعَمِل فيه.. وقد عاين المُسلمون خِلال الحَفر آيات ظَهرت لِرسول الله فيها تَصديق لَه وتَحقيق لنُبوته؛ مِنها أن تَمراً حَملته ابنة لبَشير ابن سَعد لأبيها وخالها عبد الله بن رَواحة إلى الخَندق وهو غَذائهُما، فمَرَّت برسول الله وهي تَلتمِسُهما[3]، فقال لَها: «تَعَاليْ يا بُنَيَّةُ، مَا هَذا مَعَكِ»[4]. فقالت: يا رسول الله، هذا تَمر بَعَثتْني به أمي إلى أبي  بَشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رَواحة، يَتغذَيانه. فقال: «هَاتِيهِ»[5]. فصَبَّته في كَفَّيه فمَا مَلأتهُما، ثم أمَرَ بِثَوب فَبُسط له، ثم دَحا بالتمر عليه فتبَدَّدَ فَوق الثَوب، ثم قال لأحد كان عِنده: «اصْرُخْ في أهْلِ الخَندَقِ أنْ هَلُّمَّ إلَى الغَذَاءِ»[6]. فاجتمع أهل الخَندق عليه فجَعلُوا يَأكلون، والتَّمر يَزداد حتى أكل مِنه أهل الخَندق كُلهم، فشَبِعوا والتَّمر يَسقط مِن أطراف الثوب ببَركة رَسول الله.. ولمَّا فرغ المسلمون مِن حَفر الخَندق أقبَلت قريش يَقودُها أبو سُفيان بن حَرب حَتَّى نَزلت بمُجتمع الأسيال مِن دُومَة[7]، في عَشرة آلاف مِن حُلفائهم، ومَن تَبعَهم مِن بَني كنانة وأهل تهامة، وأقبَلت غَطفان ومَن تَبعهم مِن أهل نَجد، حتى نَزلوا إلى جانب أحُد.. وخَرج رسول الله في ثَلاثة آلاف مِن المُسلمين والخَندق بَينه وبَين القوم، وكان قد استخلف على المَدينة ابن أم مكتوم. وأمَرَ بالذَراري[8] والنِّساء فجُعلوا فوق الحُصون. وخَرَجَ عَدو الله حُيي بن أخطب حتى أتَى كَعب بن أسَد القُرَظي سَيّد بني قريظة، وكان قد وَادَع رسول الله على قومِهِ فحَرَّضه على نَقض العَهد، وعاهدَهُ إن لم يُصِيبوا رسول الله أن يَدخل مَعه حِصنه حتى يُصيبه ما أصابه؛ فنَقض كَعب عَهده مع رسول الله، ولمَّا انتهى الخَبر إلى مَسامِع المُسلمين وتَأكدوا مِنه؛ اشتد الخَوفُ وعَظُم البَلاء، وزُلزل المُؤمنون زِلزالا شَديداً؛ إذ جاءهم العَدو مِن أمامهم ومِن خَلفهم.. وادَّعى المُنافقون والذين في قُلوبهم مَرَض أن الله ورسوله ما وَعدهم إلا غُرُورا.. فأقام رسول الله وأقام المُشركون بِضعاً وعِشرين ليلة؛ لم يَكن بَينهم حَربٌ إلا الرَّمي بالنَّبل والحِصار.. فلمَّا اشتد الأمرُ على المُسلمين بَعث رسول الله إلى عُيينة بن حِصن الفزاري وإلى الحَرث بن عَوف بن حارثة وهما قائِدَا غَطفان فأعطاهما ثُلث تِمار المَدينة على أن يَرجعا بمَن مَعهُما، فجَرى بَينه وبَينهم الصُّلح، فكَتبوا الكِتاب لكنَّ الشهادة لم تَقع عليه.. فبَعث رسول الله إلى سَعد بن مُعاذ وهو يَومئذ سَيّد الأوس وسَعد بن عُبادة وهو يَومئذ سَيّد الخَزرج فذَكر لهما ذلك واستشارهما فيه. فقالا  له: يا رَسول الله أمراً تُحبه فنَصنعه، أم شَيئا أمَرك الله به لابُد لنا مِن العَمل به، أم شَيئا تَصنعُه لنا؟ فقال صلوات ربي وسلامه عليه: «بَلْ شَيءٌ أصْنَعُهُ لَكُم، واللهِ مَا أصْنَعُ ذلِكَ إلا لأنَّني رَأيتُ العَرَبَ قَدْ رَمَتكُم عن قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وكالَبُوكُم[9] مِن كلِّ جانِبٍ فأرَدتُ أن أكسِرَ عَنكُم مِن شَوْكتِهِم إلى أمرْ مَّا»[10]. فقال له سَعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كُنا نَحن وهَؤلاء القوم على الشِّرك بالله وعِبادة الأوثان، لا نَعبد الله ولا نَعرفه وهم لا يَطمعون أن يَأكلوا منها تَمرة إلا قِرًى[11] أو بَيعاً، أفحِين أكرَمنا الله بالإسلام وهَدانا له وأعزَّنا بك وبه نُعطِيهم أموالنا؟!! والله مالنا بهذا مِن حاجة، والله لا نُعطيهم إلا السَّيف حتى يَحكم الله بَيننا وبَينهم. فقال رسول الله: «فأنْتَ وَذَاكَ»[12]. فتَناول سَعد بن مُعاذ الصَّحيفة فمَحَا ما فيها، ثم قال: لِيَجْهَدُوا عَلَينا. فأقام رَسول الله والمُسلمون، وأعداؤهم يُحاصرونهم، ولم يَكن بَينهم قِتال؛ إلا أن جَماعة مِن المُشركين اقتحموا الخَندق بخُيولهم، فخَرَجَ إليهم علي بن أبي طالب في نَفرٍ مَعه مِن المسلمين، فوَقف عَمرُو بن عبد وُدٍّ العامري وكان مِن أشجَعَ فُرسان العَرب على خَيله وهو يَقول: مَن يُبارز؟. فبَرَزَ له عَلي بن أبي طالب؛ فدَعاه إلى الله عَزَّ وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى دِين الإسلام، فأبَى.. ثم اقتتلا، فقَتله عَلي بن أبي طالب، وخَرجت خَيلهم مُنهزمة.. وقد أصِيبَ سَعد بن مُعاذ أثناء الرَّمي بسَهم مِن المُشركين فجُرِح جُرحاً شديدا.. وكان بَين المُسلمين نَعيم بن مَسعود الغَطفاني، قد أسلم ولم يَعلم قَومه بإسلامه، فأتَى النبي صلى الله عليه وسلم وذَكر له ذلك، فأشار عليه بأن يَدخل بَين قَومه ليُوقع بَينهم؛ فإنَّ الحَرب خُدعة.. فخَرج حَتى أتَى بَنِي قُريظة وهم لا يَعلمون بإسلامه، وقد كان لهم صاحِباً في الجاهلية، فأشار عَليهم بأن لا يُقاتلوا مَع قُريش وغَطَفان حتى يَأخذوا مِنهم رِجالا مِن أشرافهم رَهناً ما دام البلدُ بَلدهم، فِيه أموالهم وأبنائهم ونِسائهم؛ وذلك كَيْ لا يَتركُوهُم إذا انهزَمُوا لرسول الله وهُم لا طاقة لهم بقِتاله وَحدهم، فوافقوا.. ثم خَرَج حتى أتَى قريشا وهم لا يَعلمون بإسلامه أيضا فأخبر أبى سُفيان أن اليَهود نَدِمُوا على ما صَنعوا فيما بَينهم وبَين رسول الله، وأنهم سَيطلبون مِنكم رِجالا مِن أشرافكم سَيُعطونَهم لمُحمد وأصحابه فيَضربون أعناقهم ويَقُومون مَعه حتى يَستأصلوكم، فلا تَدفعوا إليهم مِنكم رَجلا واحدا. فوَافقوا.. ثم أتَى غَطفان وهُم شَأن قريش وبَني قريظة لا يَعلمون بأمْرِ إسلامه؛ فذَكر لهم  أنهم أصله و أحَّب الناس إليه، وقال لهم مِثل ما قال لقريش وحَذّرهم.. فلمَّا كانت ليلة السَّبت مِن شَوال؛ أرسل أبو سُفيان بن حَرْب ورُؤوس غَطفان إلى بَني قريظة عِكرمة بن أبي جَهل في نَفرٍ مِن قريش وغَطَفان يَطلبون مِنهم أن يُسرِعُوا لِقِتال المُسلمين.. فأرسل إليهم بَنو قريظة أن اليومَ يومُ السبت، وهو يَومٌ لا يَعمل اليَهود فيه شَيئا، ولن يُقاتلوا مَعهم رسول الله حتَّى يُعطوهم رُهنا مِن رِجالهم يَكونون بأيديهم حتى لا يَفروا ويَتركونهم في بَلدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولا طَاقة لهم بِقتاله.. فلما رَجَعت الرُّسل إلى قريش وغَطَفان بما قالت بنو قريظة قالوا: والله إن الذي حَدَّثكم نَعيم بن مَسعود لحَق؛ فاختلفوا.. وبَعث الله عليهم الرِّيح في لَيالٍ شاتية باردة، فطرَحت أبنيتهم.. فلمَّا سَمِعت غَطفان بخِلاف قريش وبَني قريظة رَجعوا إلى بِلادهم.. ثم رَجع مَن بَقي مِن المُشركين إلى قومهم بِغَيظهم.. قال الله تعالى: {وَرَدَّ اَللهُ الذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراًۚ  وَكفَى اَللهُ الْمُؤمِنِينَ القِتَالَۚ  وَكَانَ اَللهُ قَوِيّاً عَزِيزاًۚ {25}} [الأحزاب: 25].

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html


[1] _مِن هؤلاء النفر: سَلام بن أبي الحُقَيْق النَّضَري، وحُيَيُّ بن أخطب النَّضَرٍي، وكنانة بن الربيع بن أبي الحُقيق النضري، وهَوْذَة بن قَيْس الوَائلي، وأبو عَمَّار الوائلي، في نَفر مِن بني النَّضير، ونَفر مِن بني وائل، وهم الذين حَزَّبُوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ابن هشام: 3/229).
[2] _الخَندق: حُفرة عَميقة مُستطيلة تحفر حول مَكان ما لتَحصين الجيوش مِن الأعداء، و الصَّحابي الجَليل سَلمان الفارسي هو مَن أشار على الرَّسول صلى الله عليه وسَلم بهذه الفِكرة.
[3] _تَلتمُسهما: تطلبُهما أو تَبحث عنهما. 
[4] _(ابن هشام: 3/233).
[5] _(ابن هشام: 3/233).
[6] _(ابن هشام: 3/233).
[7] _اسم لمَوضع.
 [8]_ذَراريُّ: جمع ذُرّيّة، والذُرِّية هي نَسل الإنسان.
[9] _كالبُوكم: اشتدوا عليكم، والأصل فيه الكَلَب بفتح الكاف واللام وهو السّعار.
[10] _(ابن هشام: 3/239).
[11] _القِرى: بكسر القاف الطّعام الذي يُقدم للضَّيف.
[12] _(ابن هشام: 3/240).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية