34- غَزوتا: بَني لَحْيان - ذي قَرَد:

{السَّنة 6 للهجرة}

وفي جُمادى الأولى مِن السَّنة السادسة للهجرة خَرَجَ الحَبيب صلى الله عليه وسلم إلى بَني لَحيان؛ وهُم الذين غَدَرُوا بأصحابه وقَتلوهم يَوم الرَّجيع، فأرادَ في هذه الغَزوة تَأديبهم.. واستعمل على المَدينة ابن أم مكتوم، وأظهَرَ أنه يُريد الشام ليُصيب مِنهم غَفلة.. فلمّا وَصَل مَنازلهم بغُرَان[1] وَجَدهم قد تمَنّعوا في رُؤوس الجبال، فرَجع إلى المَدينة.. لكنه لم يُقم بها إلا لَيالي قلائل حتى أغار عُيَيْنَةَ بن حِصن الفَزَاري في جَماعة مِن قومه غَطفان على لوَاقِح[2] لِرسول الله بالغابة[3] وذلك في جُمادى الآخرة. وكان أوّل مَن عَلم بهم سَلمة بن الأكوع الأسلمي؛ وكان في الصَّحابة فارِساً شُجاعا لا يُشق له غُبار؛ تَبعهم على رِجليه، فلحِقَ بهم، وكان أسرَعَ الناس عَدواً[4]؛ فجَعل يَرميهم بالنَّبل.. وبَلَغَ رسول الله صِياح بن الأكوع: واصَبَاحاه[5]. فصَرخ بالمَدينة الفَزع الفَزع. فاجتمع الفُرسان عِنده، وأَمَّرَ عليهم سَعد بن زيد، ثم قال: «اخْرُج فِي طَلَبِ القَوْمِ حَتَّى أَلْحَقَكَ في الناس»[6]. فخَرَج الفُرسان، وأقبَل رسول الله في المُسلمين، واستخلف على المَدينة ابن أم مكتوم؛ وهي غَزوة ذي قَرَد[7]، فاستَنقَذوا بَعض الإبل، ثم رَجَعَ الرسول صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة..

السابق    التالي

---

[1] _وادٍ يَقع في الشمال الغربي لمكة باتجاه الشام.

[2] _حَوامل الإبل ذات اللبن.

[3] _تسمى غزوة ذِي قَرَد بغزوة الغابة أيضا، إشارةً إلى مَوضعٍ قُرب المَدينة مِن ناحية الشام فيه شَجر كثير، وهو المكان الذي أغار فيه المُشركون على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[4] _عَدْوًا: جَرْيًا.

[5] _أو: يا صباحاه.

[6] _(ابن هشام: 3/324).

[7] _سُميت بغزوة ذي قَرد لأن الماء الذي نَزَل به رسول الله صلى الله عليه وسلم  يُقال له: ذو قرد.