عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

36- خَبر الإفك:




{شعبان، السَّنة 6 للهجرة}


وأثناء عَودة المُسلمين إلى المَدينة نَزَل رسول الله مَوضعا فبَات به بَعض الليل.. ثم أَذَّن في الناس بالرَّحيل؛ وخَرَجت عائشة تَقضي بَعض حاجَتها، وفي عُنقها عِقد، فلمَّا فرَغَت انسَلَّ العِقد مِن عُنقها.. فلمَّا رَجعت إلى الرَّحل[1]، وكان الناس قد بَدؤوا بالرَّحيل، التمَسته فلم تَجده، فرَجعت إلى المَكان الذي كانت قد ذَهبت إليه فبَحثت فيه عَنه حتى وَجدته. وجاء القَوم الذين كُلِّفوا بِحَملِ هَودَجها[2] فظَنوا أنها فيه؛ فحَمَلوه ثم شَدُّوه على البَعير فانطَلقوا به.. فلمَّا رَجعت إلى المَوضع ما وَجدت أحداً؛ فتلفَّفَت بِجِلبابها ثم اضْطَجَعَتْ في مَكانها، وكانت تَظن أن القوم إذا عَرفوا أنهم فَقدُوها، سَيرجعون إلى ذلك المَوضع بَحثاً عَنها.. وبَقيت هكذا حتى وَقف عليها صَفوانَ بن المُعَطَّل، وكان قد تخلَّف[3] عَن الجَيش لبَعض حاجاته، فلما رآها عَرَفها فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ظَعينة رسول الله. وكانت عائشة مُتلففة في ثِيابها، فقال لها: ما خَلَّفك يَرحمك الله؟ فمَا كلمَّته. ثم قرَّب البَعير فقال: اركبي. وابتعد عَنها حتى رَكبت، ثم أخَذَ برَأسِ البَعير وانطلق سَريعاً يَطلب القوم. فما أدركوا الناس، وما اكتشف القوم أن عائشة رضي الله عنها مَفقودة حتى الصَّباح. فأقبل صَفوان بن المُعطل حِينئذ يَقودُها. فقال أهل الإفك حِين رَأوها ما قالوه؛ وعلى رَأسهم عبد الله بن أبي ابن سَلول؛ فاضطرب الناس، وعائشة لم تَدري بالأمر.. فلمَّا قدِمَت المَدينة مَرضت مَرضاً شديدا، وكان قد انتهى حَديث الإفك إلى رسول الله، وكان مِن عادته إذا مَرضت أن يَلطف بها، فلم يَفعل ذلك في مَرضها، فأنكَرت ذلك مِنه، وكان يَكتفي عليه الصلاة والسلام بالسُّؤال عَن حالها إذا دَخل عليها وعلى أمِّها[4] فيَقول: «كَيْفَ تِيكُمْ[6]«[5]. ولا يَزيد على ذلك. فلمَّا رَأت ما رَأته مِن جَفائِه لَها؛ استأذنته بالإنتقال إلى أمها لتَمريضها، فقال: «لا عَلَيكِ»[7]. فانتقلت إلى أمها وهي لا تَعلم مِن حَديث الإفك شيئا، حتى شُفيت.. فلمَّا أتاها الخَبر انخَرَطت في بُكاء مَرير، وما زالت تَبكي رضي الله عنها حتى ظَنَّت أن البُكاء سَيَشق كَبِدَها، وقالت لأمها: يَغفر الله لَك، تَحَدث الناس بمَا تحدثوا به ولا تَذكرين لي مِن ذلك شيئا. فهوَّنت عليها أمها الأمر وواستها.. وقد قام رسول الله مِن قَبل في الناس يَخطبهم، فحَمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس، ما بال رِجال يُؤْذُونني في أهلِي ويَقولون عليهم غَير الحق، والله ما عَلمت مِنهم إلا خَيرا، ويقولون ذلك لِرَجل والله ما عَلمت مِنه إلا خَيرا، وما يَدخل بَيتاً مِن بُيوتي إلا وهو مَعي»[8]. فقال أُسَيد بن حُضَير: يا رسول الله، إنْ يَكونوا مِن الأوس نَكفِكَهُم. وإن يَكونوا مِن إخواننا مِن الخَزرج فمُرْنا بأمرك، فوالله إنهم لأهل أن تُضْرَبَ أعناقهم. فقام سَعد بن عُبادة، فقال: كَذبت، لعَمر الله لا تُضرب أعناقهم، أما والله ما قُلت هذه المَقالة إلا أنك قد عَرفت أنهم مِن الخَزرج، ولو كانوا مِن قَومك ما قُلت هذا. فقال أسيد: كَذبت لعَمر الله، ولكنك مُنَافق تُجادل عن المُنافقين.. فَتَثَاوَرَ[9] الناس حتى كادَ يَكون بَين الأوس والخَزرج شَر.. ونَزَل رسول الله، فدَخَلَ بَيته، ودَعَا عليّاً بن أبي طالب وأسامة بن زيد رِضوان الله عليهما فاستشارهما.. فأمَّا أسامة فأثنَى على عائشة خَيرا، ثم قال: يا رسول الله، أهلُك ولا نَعلم إلا خَيرا، ولا تَعلم منهم إلا خَيرا وهذا الكَذب والباطل. وأما عَلي فقد قال: يا رسول الله، إنَّ النساء لكَثير، وإنك لَقادر على أن تَستخلف، وَسَلِ الجارية فإنها سَتصدقك. فدعا رَسول الله الجارية ليَسألها   وكان اسمها بُرَيْرَة   فقالت: والله ما أعلم إلا خَيراً، وما كنت أعِيبُ على عائشة شَيئا إلا أني كنت أعجن عَجيني، فآمرها أن تَحفظه، فتَنام عَنه، فتَأتي الشاة فتَأكله.. ثم دَخل رسول الله على عائشة وعِندها أمها وأبوها أبو بكر الصديق وامرأة مِن الأنصار، وهي تَبكي والمَرأة تَبكي.. فجَلس رسول الله فحَمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال: «يا عائشة، إنه قد كان ما قد بَلغك مِن قَول الناس فاتَّقِي الله، فإن كُنْتِ قد قَارَفتِ سُوءا[10] مِمَّا يقول الناس فتُوبي إلى الله؛ فإن الله يَقبل التَّوبة عن عِباده»[11]. فارتفع دَمعُها، وانتظرت أبواها أن يُجيبا عَنها رسول الله، فلم يَتكلما. وكانت تَظن أنها أصغر شَأنا مِن أن يُنزل الله تَعالى فيها قُرآنا يُقرَأُ به في المَساجد ويُصَلَّى به، ولكنها كانت تَرجو أن يَرَى رسول الله في النَّوم شَيئا يُبرِّئها الله به، لِمَا يَعلم مِن بَراءتها.. فلمَّا رَأت أبواها لا يَتكلمان، قالت لهُمَا: ألا تُجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالا: والله ما نَدري بماذا نُجيبه.. فما بَرَح رسول الله مَجلسه، حتى أتاه الوَحي، فلمَّا رَأت عائشة رسول الله قد أتاه الوَحي، ما فَزعت لأنها تَعلم بَراءتها، وأن الله عزَّ وجل لن يَظلمها. وأما أبواها فكادت أنفسُهما أن تَخرج خَوفاً مِن أن يَأتي مِن الله تَحقيق ما قاله الناس.. ثم سُرِّي[12] عن رسول الله، والعَرَق  يَنزل مِنه كالجُمان[13]، فجَعل يَمسحه عن جَبينه ويقول: «أبشِرِي يَا عَائِشَةُ فَقد أنزَلَ الله بَرَاءَتكِ»[14]. فحَمِدت الله.. ثم خَرَج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس، فخَطَبَهُمْ وتَلا عليهم ما أنزل الله تعالى عليه مِن القرآن في ذلك.. ثم أمر بمِسْطَح بن أثاثة وحَسَّان بن ثابت وَحَمْنَة بنت جَحش وكانوا مِمَّن أفصح بالفاحشة فأُقِيمَ عَليهم الحَّد.. 

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html

 [1]_الرَّحْلُ: ما يُوضَعُ على ظهر البَعير للركوب.
[2] _الهَوْدَجُ: أَداةٌ ذاتُ قُبَّة تُوضع على ظَهر الجَمل لتركَبَ فيها النساءُ، والجَمع: هوادجُ.
 [3]_تَخَلَّفَ عَنِ القَافِلَةِ: بَقِيَ وَرَاءَهَا، خَلْفَهَا.
[4] _ذكر بن هشام أنها: أُمُّ رُومَان، واسمها: زينب بنت دُهْمَان (ابن هشام: 3/343).
[5] _أي كيف حالكم.
[6] _(ابن هشام: 3/343).
[7] _(ابن هشام: 3/344).
[8] _(ابن هشام: 3/345).
[9] _تثاور الناس: ثار بَعضهم إلى بَعض؛ وقام بَعضهم نحو بَعض.
[10] _قارفت سُوءاً: أي أتيت ذنبا، تقول: قارف الرَّجل الخطيئة، إذا وَقع فيها.
[11] _(ابن هشام: 3/346).
 [12]_أي: ذَهب عَنه الوَحي.
 [13]_الجُمَانُ: حَبٌ مِن الفضة كاللؤلؤ.
[14] _(ابن هشام: 3/347).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية