عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

40- غَزوة حُنَين:




{شَوّال[1]، السَّنة 8 للهجرة}
ولمَّا سَمِعت قَبيلتَيْ هَوازِن وثَقيف بهَذا الفَتح العَظيم؛ أجمَعَت عَلى غَزو رسول الله، وجَعَلوا رَئيسهم مالك بن عَوف النَصْرِي[2]، وانضمَّت إليهم جُموع كثيرة فيهم بنو سَعد بن بَكر؛ وهُم القوم الذين استُرضع فِيهم رسول الله.. وقد أمَرَ مالك بن عَوف أن يَأخذوا مَعهم نِساءهم وذَراريهم وأموالهم.. وهذا القَرَار لم يُعجب فارساً مُحَنَّكا صَقلته السِّنُون، وخَبرته الأحداث؛ وهو دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ[3]؛ وكان مُشاركا برَأيه لا بسَيفه لتَقدمه في السِّن. ولكن مالك بن عوف أصَرَّ عليه وعَلى قومه فرَضَخُوا له.. فلمَّا عَلِمَ الرسول صلى الله عليه وسلم بأمرهم؛ أجمَع رَأيه على المَسير إليهم، واستخلف على مَكة عَتَّاب بن أسيد أمِيراً على مَن تخلف عَنه مِن الناس.. وخَرج مَعه أهل مكة والمُهاجرين والأنصار، "ولمَّا قَرُب الجَيش مِن مُعسكر العَدو صَفَّ عليه السّلام الغُزاة وعَقَدَ الألوية، فأعطَى لِواء المُهاجرين لعَليّ بن أبي طالب، ولِواءَ الخَزرج  للحُبَاب بن المُنذر، ولِوَاء الأوس لأُسَيْد بن حُضَير. وكذلك أعطَى ألوية لقَبائل العَرب الأخرى"[4]. وقد أعجِبَ  المُسلمون بكَثرتهم[5]، لكن العَدو أعَدَّ لهم كَمينا لم يَكن مُتوقعا؛ إذ كانوا مُستترين في شِعاب وادي حُنين[6] ومَضَايقه، وبَعد وُصول المسلمين هاجموهم مِن كل جانب؛ فانفَضَّ الناس وانهَزَموا.. أما رسول الله فثَبتَ على بَغلته في مَيدان القِتال بشَجاعة مُنقطعة النَّظير، وبَقي مَعه نَفر مِن المُهاجرين والأنصار وأهل بَيته؛ وفيمن بَقي مَعه مِن المُهاجرين؛ أبو بكر وعمر بن الخطاب، ومِن أهل بيته عَلي بن أبي طالب، والعَباس بن عَبد المطلب، وأبو سُفيان بن الحَرث[7] بن عَبد المطلب، وابنه رَبيعة بن الحَرث، وأسامة بن زَيد بن حارثة، وأيمن بن أم أيمن بن عبيد؛ وقد قُتل يَومئذ.. وتَكلم رِجال مِن مَكة حَديثو عَهد بالإسلام بما في أنفسهم مِن العَداوة، فمِنهم من فرحَ ومِنهم مَن سَاءَهُ هذا الإدبار.. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للعبَّاس، وكان قوي الصَّوت: «يا عَبَّاس اصْرُخْ يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ يا مَعْشَرَ أصْحَابِ السَّمُرَةِ»[8]. فصَرخ العباس بذلك؛ فأجابوه: لَبيك لَبيك. حتى إذا اجتمع إلى رسول الله مائة استقبلوا الناس، فاقتتلوا.. ولمّا اشتدت الحَرب قال عليه الصلاة والسلام: «الآن حَمِيَ الوَطِيسُ»[9]. وأنزَل الله سَكينته على رسوله وعلى المُؤمنين، وأنزَل جُنوداً لم يَروها؛ فقُتل كَثير مِن المُشركين، وتبِعَ المُسلمون الفارين مِنهم يَقتلون ويَأسِرُون[10]..

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html


[1] _(البداية والنهاية:  (4/694عن غير ابن إسحاق.
[2] _أسلم بَعد هذه الغَزوة، وحَسُن إسلامه، وقد استعمله رسول الله على مَن أسلم مِن هَوازن )نور اليقين: 220).
[3] _قُتل في هذه الغَزوة.
[4] _(نور اليقين: 213)
[5] _خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم اثنا عَشر ألف رَجلا، منهم ألفان مِن أهل مكة (ابن هشام: 69-4/68).
[6] _حُنين: واد شرق مكة، يُعرف اليوم بالشرائع.
[7] _هكذا ذَكر بن هشام اسمه، والمَشهور أنه أبو سفيان بن الحارث، والحارث مِن أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم.
[8] _(ابن هشام: 4/74).
[9] _(ابن هشام: 4/74). وأصل الوَطيس في اللغة: التنور، وهي هنا الحَرب.
[10] _كانت الشيماء بنت حَليمة السعدية أخت النبي صلى الله عليه وسلم مِن الرَّضاعة فيمَن أخذوا مِن السبي، فلمّا انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "يا رسول الله"، إني لأختك مِن الرَّضاعة. فسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن علامة ذلك. فقالت: "عَضَّة عَضضتها في ظهري، وأنا مُتوركتك". فعَرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة؛ فبَسط لها رِداءه، فجَلست، وخيّرها بين البَقاء عنده مُحببة مُكرَّمة، أو أن يُمتعها فتَرجع إلى قومها، فقالت: "بل تمتعني وتردني إلى قومي"، فمَتعها وردَّها إلى قومها المَتاع بمَعنى؛ أعطاها ما يَكون لها مَتاعا ولم يَتوقف إكرام النبي صلى الله عليه وسلم للشيماء بنت الحارث عند هذا فحسب، بل شَمل ذلك بني سَعد جَميعهم (ويُقال أنها أسلمت، والله أعلم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية