عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

41- غَزوة الطَّائف وعُمرة الجِعرانة:




{شَوّال[1]، السَّنة 8 للهجرة}
ثم سار رَسول الله إلى الطَّائف حِين فَرغ مِن حُنين؛ للقَضَاءِ على قَوات ثَقيف وهَوازن الهاربة مِن غَزوة حُنين، وجَعَلَ على مُقدمة الجَيش خالد بن الوليد.. وكانت قَبيلة ثقيف وهم أهل الطائف قد حَصَّنت مَواقعها، وأعدَّت عُدَّتها، وتَهَيأت للقِتال، والدِّفاع عَن أرضها.. ومَضَى رسول الله حَتى نَزَل قَريبا مِن الطائف فأقام مُعسكره فيه، وانتَهَزت ثقيف هذه الفُرصة فصوَّبت نِبالها نَحو المسلمين؛ فقُتل مِنهم اثنا عشر رَجلاً وأصِيبَ غَيرهم بجُروح بَليغة.. ولمَّا رَأى رسول الله ذلك؛ ارتفع إلى مَوضع آخر[2]، وضَرب لامرأتين مِن نِسائه قُبتين[3]. واستمر الحِصَار وقاتَلهم المُسلمون قِتالا شَديداً.. وقد رَماهم رسول الله بالمَنجنيق[4]، وكان أول مَن رَمي به في الإسلام. ودَخل جَمعٌ مِن أصحاب رسول الله تحت دَبابة[5] ثم زَحفوا بها نَحو الحِصن ليَنقُبوه؛ فأرسلت عَليهم ثَقيف نِبالهم؛ فَقَتلوا مِنهم رِجالا.. وبعد كَر وفَر أمَرَ رسول الله أن تُقطع أعنابهم ونَخيلهم؛ كتَهديد لهم؛ فبَدأ المسلمون بقَطعها، فناداه أهل الحِصن: أن دَعها لله وللرحم. فاستجاب لهم.. ثم نَزَل على رسول الله عَبيدٌ مِمَّن كان مُحاصَرا بالطائف، فأسلموا، فأعتقهم صَلوات ربي وسلامه عليه.. فلمّا رَأى عليه الصلاة والسلام تَمنُّع ثقيف، وأن الفَتح لم يُؤذن فيه بَعد؛ أمَرَ الناس بالرَّحيل. وقد طَلب منه بَعض الصَّحابة أن يَدعُو على ثَقيف فقال: «اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا وَائْتِ بِهِمْ»[6]. ثم رَجَع إلى الجِعرانة[7] حَيث تَرَك غَنائم غَزوة حُنين؛ فأحصاها وخَمَّسها[8] وأعطَى مِنها شَيئا كَثيراً لأناس ضَعُف إسلامهم، وأعطى أناسا لم يُسلموا ليُحَبب إليهم الإسلام.. ثم أمَرَ زَيد بن ثابت فأحصَي ما بَقي مِن الغَنائم وقَسَّمه على الغُزاة.. وقد اجتمع إليه الأعراب وصارُوا يَقولون له: اقسم عَلينا. حتى ألجؤوه إلى شَجرة فتَعلق رِداؤه، فقال «رُدُّوا عَليَّ رِدَائِي أيُّهَا النَّاسُ فَوَاللهِ أنْ لَوْ كَانَ لَكُمْ بِعَدَدِ شَجَرِ تِهَامَة نَعَمًا لقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ ثمّ مَا أَلْفَيْتُمُونِي بَخِيلاً وَلاَ جَبَانًا وَلا كَذُوبًا»[9]. ثم قام إلى جَنب بَعيرٍ فأخَذَ وَبَرَةً مِن سَنامه[10] بين أصبعيه ثم رَفعها، ثم قال: «أيُّهَا النَّاس وَاللهِ مَالِي مِنْ فَيْئِكُمْ وَلا هذه الوَبَرَةُ إِلاَّ الخُمُسُ، والخُمُسُ مَرْدُود عَلَيْكُمْ؛ فَأَدُّوا الخِياطَ وَالمِخْيَطَ فَإنَّ الغُلُولَ[11] يَكُونُ عَلَى أهْلِهِ عَارًا وَنَارًا وَشَنَارًا[12] يَوم القِيَامَةِ»[13]. فصَارَ كل مَن أخذَ شيئا مِن الغنائم خِلسة يَرُده، ولو كان زَهيداً.. وقد أتَى إلى النبي صلى الله عليه وسلم عقب ذلك وَفد هَوازن وهم الذين حاربوه في غَزوة حُنين   وقد دَخلوا في الإسلام؛ فرَدَّ إليهم  صَلوات ربي وسلامه عليه أبناءهم ونِساءهم. ولمَّا أعطى رسول الله ما أعطَى مِن تِلك العَطايا لقُريش وقَبائل العَرب وتَرَكَ الأنصار؛ غضِبَ بَعضهم حتى قالوا: إن هذا لَهُو العَجب يُعطي قريشا ويَتركنا وسُيوفنا تَقطر مِن دِمائهم!!! فبَلغه قولهم فأمَرَ بجَمعهم، فلمَّا اجتمعوا قال: "«يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ مَا قَالَةٌ[14] بَلَغَتْني عَنْكُم؟ وَجِدَةً[15] وَجَدْتُمُوهَا عَلَيَّ فِي أنْفُسِكُم؟ ألمْ آتِكُمْ ضُلالاً فَهَدَاكُمْ اللهُ وعَالَةً[16] فَأغْناكُمُ الله وأعْدَاءً فألَّفَ الله بَينَ قُلُوبِكم». قالوا: بَلى، الله ورَسوله أمَنُّ[17] وَأفْضَلُ. ثم قال: «ألاَ تُجيبُونني يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ»؟. قالوا: بمَاذا نُجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المنُّ والفَضل. قال عليه الصلاة والسلام: «أمَا وَاللهِ لوْ شِئْتُمْ لقُلْتُم فلَصَدَقْتُم وَلَصُدِّقتُم أتَيْتَنَا مُكَذَّباً فَصَدَّقنَاكَ وَمَخْذُولاً فنَصَرْناكَ وَطَرِيداً فآوَينَاكَ وعَائِلاً فَآسَيْناكَ[18] أَوَجَدْتُم يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي أنفُسِكُمْ فِي لَعَاعَةٍ[19] مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلامِكُمْ، ألا تَرْضَوْنَ يا مَعْشَرَ الأَنْصَار أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ وَترْجعُوا برَسُولِ اللهِ إلى رِحَالِكُم؟ فواَّلذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لوْلا الهِجرة لكُنتُ أَمْرأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ وأبْنَاءَ الأَنصَارِ وَأبْنَاءَ أبْنَاءِ الأَنْصَارِ»"[20]. فبَكى القوم حتى اخضَلَّت لِحاهم[21] وقالوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْماً وَحَظّاً. ثم انصرف صلوات ربي وسلامه عَليه وتفرّقوا.. وقد اعتمر عليه الصلاة والسلام بعد ذلك فأحرَمَ مِن الجِعرانة وذلك في شهر ذي القعدة ودَخل مَكة لَيلاً فطاف واستلم الحَجَر ثم رَجَع مِن لَيلته؛ وأمَرَ الناس بالرَّحيل فسار الجَيش حتى دَخَل المدينة..

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html

[1] _(البداية والنهابة: 4/720) عن غير ابن إسحاق.
[2] _حَيث يُوجد مسجد الطائف اليوم.
[3] _إحداهما أمُّ سَلَمَةَ ابنة أبي أمَيَّة )ابن هشام: (4/127.
[4] _المِنجنيق: آلة حَربية تستعمل لِقذف الحِجارة والسِّهام وكل ما يُمكن قَذفه.
[5] _دَبَّابة: آلة تتخذ للحُروب؛ تُصنع مِن خشب وتُغشى بجُلود ثم يَدخل فيها الرجال.                                         
[6] _(ابن هشام: 4/134).
[7] _الجِعرانة: مَوضع بين مكة والطائف وهي إلى مَكة أقرب.
[8] _خَمَّس: قسمها خَمسة أقسام.
[9] _(ابن هشام: 4/139).
[10] _السًّنام: أعلى ظَهر البعير.
[11] _الغلول: الاختلاس مِن الغنيمة.
[12] _شَنَارا: أقبح العار.
[13] _(ابن هشام: 4/139).
[14] _قالة: الكلام الردئ.
[15] _أي: عَتب.
[16] _عالة: جَمع عائل؛ وهو الفَقير.
[17] _مِن المِنَّة وهي النِّعمة.
[18] _أعطيناك حَتى جَعلناك كأحَدِنا.
[19] _اللعاعة: بقلة حَمراء ناعمة، شبَّه بها الرسول صلى الله عليه وسلم الدُّنيا ونَعيمها.
[20] _(ابن هشام: 148-4/147).
[21] _اخضلت: ابتلت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية