{رَجب،
السَّنة 9 للهجرة}
وفي رَجب مِن السنة التاسعة
للهجرة أمَرَ عليه الصلاة والسلام أصحابه بالتَهيؤ لغَزو الرُّوم؛ الذين خَططوا لاجتِثَاث[1] قُوة
المُسلمين.. وقد سُمِّيَت هذه الغَزوة بغّزوة تَبوك أو غَزوة العُسرة؛ إذ كانت في
وَقت عُسر شَديد وحَرٍ شَديد.. وقد استخلف على المَدينة مُحمد بن مَسْلمة الأنصاري[2]،
وخَلَّف على أهل بَيته عَلياً بن أبي طالب وأمَرَه بالإقامة فيهم. وفرَّق "الرايات فأعطى الزبير راية
المُهاجرين، وأسيد بن حضير راية الأوس، والحُباب بن المنذر راية الخَزرج[3]". وعِندما وَصَلَ المسلمون إلى
تَبوك لم يَجدوا قِتالا؛ إذ فَضَّل الرُّوم عَدَم القِتال؛ فصَالح رسول الله القبائل العَربية – التي حالفت الرُّوم – على
الجِزية[4].
ثم قدِم المَدينة. وكان قد تَخَلف عَن الغَزوة جَماعة مِن المُنافقين على رأسهم عبد
الله بن أبي بن سلول، وتَخلَّف عنها ثَلاثة مِن المُسلمين مِن غَير شَكٍّ ولا
نِفاق، وهم؛ كَعب بن مالك، ومُرارة بن الرَّبيع، وهِلال بن أمية،
وكانوا صادقين؛ إذ أنهم لم يَختلقوا الأعذار كَغيرهم؛ فنَهَى رسول الله أصحابه عَن مُجالستهم والكلام
مَعهم حتى يَحكم الله فيهم وهو خَير الحاكمين. وأتاه مَن تَخلَّف عنه مِن المُنافقين
وكانوا بِضعة وثَمانين رَجلا، فجَعلوا يَحلِفون له ويَعتذرُون، فَصَفح عنهم (ولم
يَعذرهم الله ولا رَسوله). واعتَزَل المُسلمون أولئك النَّفر الثَلاثة؛ فاعتزَلوا
الناس وغَمَرهم الحُزن الشديد، حتى ضاقت عَليهم الأرض بما رَحُبت.. فلبِثوا على
ذلك الحال خَمسين ليلة، حتى جاءتهم البِشارة بأن الله فرَّج عليهم مِحنتهم، وتَاب
عليهم بصِدقهم[5]..
وقد قدِمَ على رسول الله عَقِبَ مَقدَمِه مِن تَبوك وَفد ثَقيف كي يُسلموا؛ وهُم
الذين حاصرهم النبي صلى
الله عليه وسلم بالطائف ودَعَا لهم بالإسلام؛ فاستجاب الله تَعالى لدُعاء نَبيه. وفي ذي القِعدة مِن
هذه السنة – التاسعة للهجرة– بَعث الحبيب صلى الله عليه وسلم أبا بكر أمِيراً على الحج؛ ليُؤَذِّن
في الناس يَوم النَّحر ألا يَحج بعد العام مُشرك وألا يَطوف بالبيت عُريان. فخَرَج
– رضي الله عنه – ومعه المسلمون.. وكَلَّفَ علي
بن أبي طالب –رضي الله عنه – بقِراءة بَرَاءة على المُشركين
بمكة؛ وبها تَمَّ نَقض ما كان بين رسول الله والمُشركين.. ومِن المَعلوم أن المسلمين خِلال هذه الغَزوات؛ تَفرَّدُوا
بِسِمَة جَعلتهم أرحم مِلَّة بالإنسانية؛ فما عَرَف العالم مُنذ خَلق الله الأرض
ومَن عَليها فاتحا أرحَمَ وأعدَلَ مِن رسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ فقد كان يَنهى عَن قَتل الرُّهبان والنِّساء والأطفال والشُّيوخ، وحتى
الذين أُجبِرُوا عن القِتال كالفَلاحين والأجَراء[6]،
بل كان يَنهى جُيوشه في كل غَزوة أو سَرية عَن قَطع الأشجار وتَخريب المُمتلكات ممّا
ليس بالمَعهود عند جُيوش الأرض كلها، وقد تَبعه في ذلك أصحابه رضوان الله عليهم
أجمعين.
السابق التالي
[1] _اجْتَثَّ الشيءَ: قَطَعَهُ، قَلَعَهُ
مِنْ أصْلِهِ.
[3] _(نور اليقين: (227.
[4] _الجِزْيَةُ: ما يُؤْخَذ مِن أَهل
الذِّمَّة؛ وهم اليَهود والنصارى الذين يَعيشون تحت حُكم المُسلمين.
[5] _هذه آخر غزوة شارك فيها
النبي صلى الله عليه وسلم، وعَدد الغزوات التي شارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم
مع الصَّحابة: 28 غزوة كما رَأينا. أما السَرايا فآخِرُ سَرية بَعثها النبي صلى
الله عليه وسلم هي بَعث أسامة بن زيد إلى أرض فِلسطين أثناء مَرضه الذي مات فيه عليه الصلاة
والسلام، وكانت سراياه وبُعوثه صلى الله عليه وسلم 38 بَين بعث وسرية )ابن هشام: 280-281/(4.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق