عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

44- حَجَّة الوَداع:





{السَّنة 10 للهجرة}


فلمَّا دَخل ذو القعدة مِن السنة العاشرة للهجرة؛ تَجَهَّزَ الرسول صلى الله عليه وسلم للحَجِّ، وأمَرَ الناس بالتجَهز له.. ثم قَدِم إلى مَكة وكان مَعه جَمعٌ عَظيم يَبلغ تِسعين ألفا.. فأَحرَم للحج ثم لَبَّى فقال: «لَبَّيْكَ اللهُم لَبيك، لَبيك لا شَريك لَك لَبيك، إن الحَمد والنِّعمة لَك والمُلك، لا شَريك لك»[1]. فأرَى النَّاس مَنَاسِكهم، وعَلمَهم سُنن حَجهم، وخَطَبَ في الناس خُطبته التي بَيَّن فيها ما بَيَّن؛ فحمد الله وأثنَى عليه، ثم قال: «أيُّهَا الناس، اسمَعُوا قَولي، فإني لا أدري لَعلي  لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا المَوقف أبدا. أيها الناس، إن دِماءكم وأموالكم عليكم حَرام إلى أن تَلقوا ربكم كَحُرمَة يَومكم هذا وكَحُرمَة شَهركم هذا، وإنكم سَتلقون رَبَّكم فيَسألكم عن أعمالكم، وقد بَلَّغَت، فمَن كانت عِنده أمانة فليُؤَدِّهَا إلى مَن ائتَمَنَهُ عليها، وإِنَّ كُلَّ رِباً مَوضوع، ولكن لكم رُؤُوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون، قَضَى الله أنه لا رِبَا، وأن رِبَا عَبَّاس بن عَبد المطلب مَوضُوع كله، وإن كلَّ دم كان في الجاهلية مَوضوع، وأن أوَّلَ دِمائكم أضَعُ دَمُ ابن ربيعة بن الحَرث بن عَبد المُطلب، وكان مُسترضعا في بَني لَيث فقَتلته هُذيل، فهو أَوَّلُ ما أبدأ به مِن دِماء الجاهلية. أما بعد أيها الناس؛ فإن الشيطان قد يَئِسَ مِن أن يُعبَدَ بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يُطَعْ فيما سِوَى ذلك فقد رَضِيَ به مما تَحقرون مِن أعمالكم، فاحذَرُوه على دِينكم، أيها الناس، إنما النَسئ[2] زِيادةٌ في الكُفر يُضِلُّ به الذين كَفروا يُحِلُّونه عاما ويُحَرِّمُونه عاما ليُواطئوا عِدَّة ما حَرَّمَ الله فيُحِلُّوا ما حَرَّمَ الله ويُحَرِّمُوا ما أحلًّ الله، وإن الزَّمان قد استدار كَهَيْئته يوم خَلق الله السماوات والأرض، وإن عِدَّة الشُّهور عِند الله اثنَا عَشَرَ شهراً، منها أربعة حُرم: ثَلاثة مُتوالية، ورَجَبُ مضر[3] الذي بَين جُمادى وَشَعبان. أما بعد أيها الناس، فإن لكم على نِسائكم حَقًّا، ولَهُنَّ عليكم حَقًّا، لكم عَليهن أن لا يُوطئن فُرشكم أحداً تَكرهونه، وعَليهن أن لا يَأتين بفاحشة مُبينة، فإن فَعلن فإن الله قد أذِنَ لكم أن تَهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجع وتَضربوهن ضَرباً غَير مُبَرِّح[4] فإن انْتَهَيْنَ فلهن رِزقهن وكُسْوَتُهُنَّ بالمَعروف، واستَوصوا بالنِساء خَيْراً فإنهن عِندكم عَوَانٍ[5] لا يَملكن لأنفسهن شَيئاً، وإنكم إنما أخَذتُمُوهن بأمانة الله، واستحللتم فُروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قَوْلي، فإني قَدْ بَلَّغْت، وقد تَرَكْتُ فيكم ما إن اعتَصَمْتُم به فَلن تَضِلُّوا أبداً أمراً بَيِّناً كِتاب الله وسُنَّة نَبيه، أيها الناس اسمَعُوا قَولي واعْقِلُوه، تَعَلَّمُنَّ أن كُلَّ مُسلم أخٌ للمسلم، وأن المُسلمين إخوة، فلا يَحل لامرئ مِن أخيه إلا ما أعطاه عن طِيب نَفس مِنه، فلا تَظْلِمُنَّ أنفسكم، اللهم هل بَلَّغْت»[6]. فقال الناس: اللهم نَعم. فقال رسول الله: «اللَّهُمْ اشْهَدْ»[7]. وكانت هذه الحَجَّة أوَّل حَجَّة لرسول الله وآخرها عَليه مِن الله تَعالى أفضل الصَلوات وأزكَى التَّسليم.

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html


[1] _(نور اليقين:(236 .
 [2]_النَّسَأَة: هم الذين كانوا ينسئون الشهور على العَرب في الجاهلية، فيُحلون الشهر مِن الأشهر الحرم، ويُحَرِّمُون مَكانه الشهر مِن أشهر الحل، ويؤخرون ذلك الشهر.. انظر هامش )ابن هشام: 43-44/(1.
[3] _ذكر المحقق في الهوامش: إنما أضاف رَجبا إلى مُضر لأنها كانت تعظمه، وما كان أحد مِن العرب يَفعل ذلك سواها )ابن هشام: (4/276.
[4] _أي: غير شَديد.
[5] _عَوان: جمع عانية؛ وهي الأسيرة.
)_ [6]ابن هشام: 275-276/(4.
)_ [7]ابن هشام: (4/276.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية