عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

45- مَرضُه وَوَفاته صلى الله عليه وسلم:






{الإثنين،12  رَبيع الأول، السَّنة 11 للهجرة}
 

ثم رَجع الحَبيب صلى الله عليه وسلم إلى المَدينة.. وذات لَيلة بَعث لأبي مُوَيْهبَةَ[1]، فقال له: «ياَ أَباَ مُوَيْهِبَة، إنّي قَدْ أُمِرتُ أنْ أَسْتَغْفِرَ لأهْلِ هذا البَقيع[2] فَانْطلِقْ مَعِي»[3]. فانطلق مَعه، فلمَّا وَقَف بَين أظهرهم قال: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أهلَ المَقابِرِ، ليَهْنِئْ لَكُمْ ماَ أصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ، أقْبَلَتِ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يَتبَعُ آخِرُهاَ أوَّلَهاَ، الآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الأولَى»[4]. ثم أقبل على أبي مُويهبة فقال: «يا أبا مُوَيهبة، إني قد أوتِيتُ مَفاتيحَ خَزائن الدُّنيا والخُلدَ فيها، ثم الجَّنة، فخُيرت بين ذلك وبين لِقاء رَبِّي والجَنَّة»[5]. فقال أبو مُويهبة: بأبي أنت وأمي، فخُذ مَفاتيح خَزَائن الدنيا، والخُلد فيها ثم الجنة. فقال صلوات رَبي وسلامه عليه: «لا، والله يَا أبَا مُوَيهبة لقد اخترتُ لِقاء رَبي والجنة»[6]. ثم استَغفر لأهل البَقيع، ثم انصرف[7]. فلمَّا أصبَحَ بَدَأَ مَرَضه، فلمَّا اشتد به وهو في بَيت مَيمونة؛ دَعَا نِساءه فاستأذَنهن في أن  يَمرض في بَيت عائشة فأذِنَّ له؛ فخَرَج يَمشي بَين رَجُلين مِن أهله[8]، عاصِباً رَأسه، تَخُطُّ قدَماه، حتى دَخل بَيت عائشة فقال لِمن مَعه: «هَريقوا[9] عَليَّ سَبْعَ قِرَبٍ مِن آبَارٍ شَتَّى حتَّى أخرُجَ إلى النَّاس فأعْهَدَ إلَيْهِمْ»[10]. ففَعلوا حتى طفِق يقول: «حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ[12]«[11]. ثم خَرَجَ إلى الناس عاصِباً رَأسه حتى جَلس على المِنبر، فكان أوّل ما تكلم به أنه صَلَّى على أصحاب أُحُد، واستغفر لهم؛ فأكثر الصَّلاة عليهم.. ثم قال: «إنَّ عَبْداً مِن عِبَاد اللهِ خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ الدُّنْيَا والآخرة وَبَيْنَ ماعِندَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ»[13]. فَفهِمَهَا أبو بكر، وعَرف أن رسول الله يَقصد نَفسه؛ فبَكى، وقال: بل نَحن نَفْديك بأنفسنا وأبنائنا. فقال صلوات رَبي وسلامه عليه: «عَلَى رِسْلِكَ[14] يَا أبَا بَكْرٍ»[15]. ثم قال: «انْظُرُوا هذِهِ الأبْوابَ اللاَّفِظَةَ فِي المَسْجِدِ[16] فَسُدُّوهَا إلاَّ بَيْتَ أبي بَكْرٍ فَإنِّي لا أعلَمُ أحَداً كانَ أفْضَلَ فِي الصُّحْبَةِ عِنْدِي يَداً مِنْهُ»[17]. وَأَوْصَى صَلوات ربي وسلامه عليه بالأنصَار خَيراً، ثم نَزَل مِن على المِنبر فدَخَل بَيته.. فلمَّا اشتد المَرَض عَليه؛ قال لأصحابه: «مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَليُصَلِّ بالنَّاسِ»[18]. ولمَّا كان يَومُ الإثنين؛ خَرَج إلى الناس وهُم يُصَلُّون الصُّبح، فرَفع السِتر وفَتَح البابَ، فكادَ المُسلمون يُفتَتَنُون في صَلاتهم حِين رَأوه؛ فرحاً به.. فأشار إليهم أن اثبتوا على صَلاتكم. وتبَسَّم سُروراً لِمَا رأى مِن هَيئتهم في صَلاتهم.. ثم رَجع، وانصرف الناس؛ وهم يَظنُّونَ أن رسول الله قد شُفِيَ.. وحِين رُجوعه الى بَيته اضطجع في حِجر عائشة فدَخل عَليهما رَجلٌ مِن آل أبي بكر وفي يَدِه سِواك أخضر، فنَظَر رسول الله في يَده فعرَفَت عائشة أنه يُرِيده، فقالت: يا رسول الله، أتُحِب أن أعطيك هذا السِّواك؟ قال: «نَعم»[19]. فأخَذَته فمَضغته حتى ليَّنَته، ثم أعطته إياه فاستن به كأشد ما رَأته يَستن بسِواك قط ثم وَضعه. وَوَجَدَتْ رسول الله يَثقل في حَجرها، فذَهبت تَنظر في وَجهه، فإذا بَصره قد شَخَصَ، وهو يقول: «بَلِ الرَّفِيق الأعْلَى مِن الجنَّةِ»[20]. فقالت: خُيِّرْتَ فاخْتَرْتَ والذِي بَعَثَكَ بالحق. وتُوفي رَسول الله صلى الله عليه وسلم وعُمره ثلاثٌ وسِتُّون سنة.. وما في بَيت أمنا عائشة شَيء تَأكله إلا شَطرُ شَعيرٍ في رَفٍ لها، ولم يَترُك لها ولا لأزواجه صلوات ربي وسلامه عليه دِرهما ولا شَاةً ولا بَعيراً.. فلمَّا سَمِعَ الناس بوَفاته؛ اضطَربوا اضطراباً شَديدا، وقام عُمر بن الخَطاب فقال: إنَّ رِجَالاً مِن المُنافقين يَزعُمُونَ أن رَسول الله صلى الله عليه وسلم قد تُوُفّى، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات. ولكنه ذَهَبَ إلى رَبه كما ذَهب مُوسى بن عِمْرَان؛ فقد غاب عَن قومه أربعين لَيلة ثم رَجع إليهم بَعد أن قيل: قد مات، والله لَيَرْجَعَنَّ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم كما رَجع مُوسى فلَيَقطَعَنَّ أيدِي رِجالٍ وأرْجُلَهُمْ زَعَموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَات. فلمَّا أقبل أبو بَكر حِين بَلغه الخَبر وَجَد عُمر يُكلم الناس فَلم يَلتفت إلى شَيء حتى دَخل على رسول الله في بَيت عائشة، وهو مُغطَّى الوَجه في ناحية البَيت عليه ثَوب. فأقبل حَتى كَشف وَجهَهُ الشريف، فقبَّلَهُ. ثم قال: بأبي أنت وَأمِّي، أما المَوْتَةُ التي كَتب الله عليك فقد ذُقتها، ثم لن تُصيبك بَعدها مَوتة أبداً. ثم رَدَّ الغِطاء على وَجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وخَرَج وعُمر يُكلِّم الناس، فقال له: على رِسْلِكَ يا عمر، أنْصِتْ. فأبَى عُمر.. فلمَّا رآه أبو بكر لا يُنصت أقبل عَلى النَّاس، فلمَّا سَمِعَوا كَلامه؛ أقبَلوا عَليه وترَكُوا عُمر.. فحَمِد الله ثم أثنَى عَليه، ثم قال: أيُّها الناس، إنه مَن كان يَعبُدُ مُحمدا فإن مُحمدا قد مات، ومَن كان يَعبد الله فإن الله حَيٌّ لا يَموت. ثم تَلاَ هذه الآية:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُۚ أَفَإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْۚ وَمَنْ يَّنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَّضُرَّ اللهَ شَيْئاًۚ وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَۚ {144}} [آل عمران: 144]. فكَأنَّ النَّاس لم يَعلموا أنَّ هَذِه الآية نَزَلت، حَتَّى تَلاها أبو بكر يَومَئذ؛ فأفاقوا مِن هَول الصَّدمة، وَدَهش عُمر بن الخطاب حتى وَقَع إلى الأرض ورِجلاه لا تَقويان على حَمله، وقد أيقَن بِمَوتِ رَسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهَكذا انتهت حَياة الحَبيب عليه من الله أفضل الصلوات وأزكى التسليم ولم تَنتَهِ رِسالته؛ فهي باقية إلى يَوم الدِّين؛ وسَيَبقَى الخَير فِيه وفِي أمته إلى يَوم يُبعثون[21]..

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html

[1] _مَولى رسول الله صلى الله عليه وسلم )خادِمُه(.
 [2]_البَقِيع: مَقْبرة أَهل المدينة.
 [3]_(ابن هشام: (4/320.
 [4]_(ابن هشام: (4/320.
 [5]_(ابن هشام: (4/320.
 [6]_(ابن هشام: (4/320.
 [7]_(ابن هشام: (4/320.
[8] _ذَكر بن هشام هذا الحديث عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن عتبة عن عائشة زَوج النبي صلى الله عليه وسلم. والرَجلين كما تم ذِكرهما في الحَديث؛ هما الفَضل بن العباس، وعلي بن أبي طالب.
 [9]_هَرَقَ الماءَ ونحوَه: صَبَّه.
 [10]_(ابن هشام: (4/327.
[11] _طفِق يَفعل كذا: شَرَعَ، اِبْتَدَأَ، أَخَذَ، اِسْتَمَرّ. وحَسبكم: بمَعنى: كَفى.
 [12]_(ابن هشام: (4/327.
 [13]_(ابن هشام: (4/327.
[14] _أي: على مَهلك.
 [15]_(ابن هشام: (4/327.
[16] _اللافِظة في المَسجد: أي النافذة إليه.
 [17]_(ابن هشام: (4/327.
 [18]_(ابن هشام: (4/330.
 [19]_(ابن هشام: (4/333.
 [20]_(ابن هشام: (4/333.
[21] _"يُمكن تقسيم عَهد الدعوة المحمدية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليم إلى دَورين:
1-     الدور المكي 13) سنة تقريبا(:
-  مرحلة الدعوة السرية: ثلاث سنوات.
-  مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة: مِن بداية السنة الرابعة مِن النبوة إلى أواخر السنة العاشرة.
-  مرحلة الدعوة خارج مكة وفشوها فيهم: مِن أواخر السنة العاشرة مِن النبوة إلى هِجرته صلى الله عليه وسلم.
2-     الدور المدني 10) سنوات كاملة(:
-  مرحلة أثيرت فيها الفتن وأقيمت فيها العراقيل: مِن السنة الأولى للهجرة إلى السنة 6 للهجرة عند صُلح الحُديبية.
-  مرحلة الهُدنة مع المشركين: وتنتهي في السنة الثامنة للهجرة عند فتح مكة.
-  مرحلة دُخول الناس في دِين الله أفواجا: تَمتد إلى انتهاء حَياة الرسول صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة 11 مِن الهجرة".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية