في أشرف بَيتٍ مِن بُيوت
العَرَب وأزكاها في النَّسَب وُلِدَ المُصطفى صلى الله عليه وسلم[3] بَعد عُصورٍ مُظلِمَة؛ عَكَفَ فِيها الناس على عِبادة الأوثان، وشاعَت
مَساوئ الأخلاق، وطَغى الجَور، وعانَت المَرأة صُنُوف الذُّل والتَّحقير.. فكان مَولده إيذاناً بانقشاع تلك السُّحب، وتَمهيداً لِرِسالة سَتَملأ الأرض
عَدلاً، والقُلوب رَحمةً وإيمانا.. ثم جاءَت البِشارة عَبدُ المُطَّلب؛
فأقبل مُتلهفا لِرُؤيَة حَفِيده من ابنه عبد الله[4]..
فلمَّا وَقَعَ بَصرُه عَليه، وسَمِع مِن أمِّه[5]
ما رَأته منه[6]؛
حَمَله مُسفر الوَجه[7]، وسَمّاه
مُحَمداً[8]، قَبل
أن يَهُمَّ بأوّل ما تَهُمُّ به العَرَب؛ أن يَلتمِسَ لهُ المَراضِع[9].
السابق التالي
[1] _عام الفِيل: هُو
العَام الذي حَاول فيه أبرهة الحَبَشِي – وكان مَلِكا على حِمير؛ وهي مَملكة يَمنية قديمة – أن يَهدم الكَعبة؛ والسّبب في ذلك أنه بَنَى
كَنيسة ضَخمة اسمها "القُلَّيس" في صَنعاء القَديمة، فأراد صَرف العَرب
عن حَج مَكة وتَحويل أنظارهم إلى كَنيسته، لكنه لم يُفلح؛
فقَرر هَدم الكعبة؛ فأهلكهُم اللّه كما ثَبت ذلك في سُورة الفيل.
[2] _لم يَتفق مُؤَرِخو
السيرة النبوية على تاريخ مُحَدّد لليوم الذي وُلد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم،
غير أن هُناك ثَلاث حقائق مُتفق عليها؛ وهي أن مَولده كان يَومَ الإثنين،
وفي شَهر رَبيع الأول، وفي سَنة ) 571ميلادية(، وبَعضهم يُرَجِّح
سنة ) 570ميلادية(، والله تَعالى أعلم
بالصَواب.
[3] _ذَكر بن هِشام في كِتابه النَسب الزَّكي لِرسول صلى الله
عليه وسلم إلى نَبي الله آدم عليه السلام. لكني سَأكتفي بذكر نَسبه الشريف إلى
عَدنان؛ لِمَا وَقَع من خِلاف في النَّسب بَعد ذلك، ولا خِلاف أن عَدنان من
وَلد إسماعيل عليه السلام. وها هو نَسبه الشريف: هو خَير خلق الله: محمد بن
عبد الله بن عبد المُطلب (واسم عبد المطلب شَيْبَة) بن هاشم
(واسم هاشم عَمْرو) بن عَبد مَنَاف (واسم عبد مَنَاف المُغِيرَةُ) بن
قُصَيِّ بن كِلاب بن مُرَّةَ بن كَعْب بن لُؤَيّ
بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْرِ بن كِنَانَة
بن خُزَيمَةَ بن مُدْرِكة (واسم مُدركة عامر) بن إلياس بن مضر
بن نِزار بن معدّ بن عَدنان
(ابن هشام: 1/1). أما نَسبه الشريف مِن أمه آمنة
بنت وَهْبٍ، فقد ذَكر بن هشام أن أمه: آمِنَةُ بِنت وَهْب بن عَبْد
مَنَاف بن زُهْرة بن كِلاب بن مُرة ابن كَعْب بن لُؤَيّ
بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضْرِ بن كِنَانَةَ
(ابن هشام: 1/120). أما أبناء عَبدُ المطلب وهم أعمامه، وعَماته صلوات ربي وسلامه
عليه، وفيهم أبوه عبد الله، فقد ذَكر ابن هشام أنهم عَشرة نَفرٍ وسِتُّ
نِسوة: العباسَ، وحَمزةَ، وعبدَ الله، وأبا طالب
(واسمه عَبدُ مَنَافٍ) والزُّبَيرَ، والحَرث، وحَجْلا، والمُقَوِّم،
وضِرَارا، وأبا لَهَب (واسمه عبد العُزَّي)، وصَفِيةَ، وأُم
حَكيم البَيضاء، وعَاتِكة، وأُمَيْمَة، وأرْوَى، وبَرَّة
(ابن هشام: 1/119). ولم يُسلم مِن أعمامه إلا حَمزة والعَباس
رَضي الله عنهما. وأمّا عَماته فلم تسلم مِنهن إلا صَفية رَضي الله
عنها، واختلِف في إسلام عاتكة وأروى.
[5]
_آمنة بنت وهب؛ وقد تَقدَّم نَسَبها.
[6] _ذَكر بن هشام عن ابن
إسحاق قَوله: "ويَزعمونَ – فيما يَتحدث الناس، والله أعلم – أن آمنة ابنة وَهْبٍ
أمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدِّث أنها أُتِيَت – حين حَملت برسول الله
صلى الله عليه وسلم – فقيل لها: إنك قد حَمَلت
بسيِّد هذه الأمة، فإذا وَقع إلى الأرض فقولي: أعيذُه بِالوَاحِدْ، مِن شرِّ كُلِّ
حَاسِدْ، ثم سَمِّيه محمداً. ورَأت – حين حَملت به – أنه خَرَجَ مِنها نُورٌ
رَأت به قُصورَ بُصْرى مِن أرض الشام" (ابن هشام: 1/170).
[8]
_هذا الإسم لم يَكن شائعا عِند العَرب، وللرسول صلى الله عليه وسلم أسماء أخر، مِن
بَينها: أحمد، والماحي الذي يَمحي الله به الكُفر، والحاشر
الذي يُحشَرُ الناس على قَدَمه، والعاقب..
[9] _مَراضِعُ:
جَمع مُرضِعة، والمُرضِعة: مَن تَقوم بإطعام وَلدِها أو وَلد غيرِها من
لَبَنِها. وﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌَﺮﺏ ﺃﻥ ﻳَﻠﺘﻤﺴﻮﺍ ﺍﻟﻤَﺮﺍﺿﻊ ﻟِﻤﻮﺍﻟﻴﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺒَﻮﺍﺩﻱ؛
ﺇﺑﻌﺎﺩﺍً ﻟﻬﻢ ﻋﻦ ﺃﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﺤَﻮﺍﺿﺮ ﺣﺘَّﻰ ﺗََﺸﺘﺪ ﺃﻋﺼﺎﺑﻬﻢ، ﻭﻟﻴﺘﻘِﻨﻮﺍ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌَﺮﺑﻲ ﻓﻲ
ﻣَﻬﺪﻫﻢ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق