وذات يَوم أراد أبو طالب الخُرُوج
في رَكبٍ[2] تاجراً
إلى الشَّام؛ فتَعلَّق به رسول الله لِيَأخُذه مَعه.. فَرَقَّ[3]
لَه أبو طالب وخَرَج مَعه.. فلمَّا بَلَغ الرَّكبُ بُصْرَى الشام[4]، وبها
راهِبٌ نَصراني[5]
يُقال له بَحِيرا؛ رَأى الأخير مِن
صَومَعته[6] غَمامة
تُظل رسول الله؛ فنَزَل منها. حتى إذا نَزَلوا في
ظِل شَجرة، أقبل عَليهم؛ فَصَنع لهم طَعاماً، ثم بَحَثَ عَن صاحب الغَمامَة؛
فَوَجده أصغَرَ القوم سِنًّاً، فسَأله عَن أمره[7]، ثم نَظَرَ
إلى ظَهره فرَأى خاتم النُبوَّة[8] بَين كَتِفيه.. فأقبل على عمِّه وقال له: ما
هذا الغُلام مِنك؟ قال أبو طالب: ابني. قال بَحيرا: ما هو بابنك،
وما يَنبغي لِهَذا الغُلام أن يَكون أبوه حَياً. فقال أبو طالب: فإنه ابن
أخي. قال بَحيرا: فما فَعَل أبوه. قال: مات وأمُّه حُبلى به. قال: صَدَقت
فارجِعْ بابن أخيك إلى بَلده، واحذر عَليه يَهود، فَوَالله لَئِن رَأوه وعَرَفُوا مِنه ما عَرَفتُ
لَيَبْغُنُّه شَرا، فإنه كائن لإبن أخِيك هذا شَأنٌ عَظيم.. فرَجَع أبو طالب برَسول الله – حين فَرَغ مِن تِجارته
– سَريعا إلى مَكة. ثم عَاش الحَبيب بَعدها في كَنف عَمِّه؛ طِفلاً يَتسِم سُلوكُه بالإتزان، وكَلامُه بالحِكمة، حتى أعجِبَ به الكِبار، وأنِسَ برُفقته الصِّغار؛ إذ جَمَّله الله بالسَّكينة، وكسَاهُ بحُسن القُبول، حتَّى استَمَال
القُلوب ومَلك زِمامها؛ فانقادت النُفوسُ لمُوافقته، وثَبتت القُلوبُ على مَحَبَّتِه صلى الله عليه وسلم.
السابق التالي
[2] _الرَكب: لفظ يُطلق على العَشْرة فما فوق مِن رُكبان
الإبل والخَيل في السَّفر، والرُّكْبَانُ الجَماعة مِنهم.
[5] _الرَّاهب: مَن اعتزل النَّاس للتَعبد.
أما القِسِّيس؛ فهو الذي يَعمل في الكنيسة كَكاهن، ويَستمع إلى اعترافات النصَّارى..
[7] _أي عَن أشياء مِن حاله:
كنَومه، وهيئته، وأمُوره. فَوَافق ما أخبره به الرَّسول صلى الله عليه وسلم ما
عِند بَحيرى مِن صِفته (ابن هشام: 1/196).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق