عدة الأساتذة

مواضيع علوم التربية

أخبار ومستجدات

8- إعادَة بِناء الكعبَة وحُكمه صلى الله عليه وسلم:






{السَّنة 18 قبل الهجرة}


ورُغم هذا التَّحول في حَياته، بَقي الحَبيب على ما كان عَليه؛ مُتَجردا عن الدُّنيا ومَشاغلها، مُمتنعا أشد الإمتناع عَن التَكالب أو التَهافت عليها؛ مِمَّا جَعَل حَياته تَمتاز عن حَيواتِ[1] غَيره بِالنَّقاء؛ فلم يَكن فظَّا[2] ولا غَلِيظاً[3]، ولا فَاحِشا مُتفحِشا[4]، ولا لعَّاناً، ولا صَخَّابا في الأسواق[5]، وكان أكثر النَّاس حَيَاءاً.. وإلى جَانب صِدقه وأمَانَتِه كان مُحِباً للفُقراء واليَتامى والأرِقَّاء المُستضعفين، وقد لُقِّبَ بَين قَومه بالأمين.. ولمَّا بَلَغَ خَمساً وثَلاثين سَنة؛ اجتمعت قُريش لبُنيان الكَعبة؛ بإعادة رَفعها وتَسقيفها.. فلمَّا أجمَعوا أمرَهُم، صَاح فيهم رَجل مِنهم[6]: يا مَعشر قُريش، لا تُدخِلوا في بِنائها مِن كَسبِكُم إلا طَيباً، لا يَدخل فيه مَهر بَغي[7]، ولا بَيع رِبَا، ولا مَظلمة أحَدٍ مِن النَّاس.. فاستجابوا.. وبَدَأت قريش بِتَقسيم الكَعبة فِيما بَينها، وأخَذَ كل قوم قِسْماً يُريد هَدمه.. فلمَّا أزمَعُوا على هَدمِهَا هَابوا ذلك؛ خَوفاً مِن مَكروه قد يُصِيبهم، فقال الوَليد بن المُغيرة: أنا أبْدَؤُكم في هَدمِها. فأخَذَ المِعوَل ثم قام عَليها وهو يَقول: اللهم لم تُرَعْ[8]، اللهم إنا لا نُريد إلا الخَير. ثم هَدم مِن ناحية الرُكنين[9]. فتَربَّص الناس تِلك الليلة وهم يَقولون: إن أصِيبَ الوَليد لن نَهدم مِنها شيئا، وَرَددناها كَمَا كانت، وإن لم يُصبه شَيء فقد رَضِيَ الله صُنعنا. فأصبح الوليد غَادِيا على عَمله؛ فهَدم وهَدمَ الناس مَعه.. ثم جَمَعت القَبائل الحِجارة لبِنائها، فبَنوها حتى بَلَغ البُنيان مَوضِع الرُّكن فاختَصموا فيه؛ حتى كادت الحَرب تَنشب بَينهم.. فقال قائل مِنهم: يا مَعشر قريش اجعلوا بينكم حَكماً، وليَكن أول مَن يَدخل مِن باب هذا المَسجد[10]. فَفَعلوا؛ وكان أوَّل مَن دَخل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلمَّا رَأوه قالوا: هذا الأمين، رَضينا، هذا مُحمد. فقال لهم عليه الصلاة والسلام: «هُلَمَّ إلَيَّ ثَوْباً»[11]. فاُتِيَ به، فأخَذ الرُّكن، فوَضَعه فيه بيَده، ثم قال: «لِتَأْخُذْ كُلُّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِن الثوب».[13][12] فَرَفعُوه جَميعا، حتَّى إذا بَلغوا بِه مَوضعه، وَضَعه الحَبيب صلى الله عليه وسلم بِيَديه الشَّريفتين، ثم بَنَى عَليه.. وهذا كله دَليل على رُجحان عَقله وأصالة رَأيه صلوات ربي وسلامه عليه.

السابق    التالي
http://youjal.blogspot.com/2016/04/sira1.htmlhttp://youjal.blogspot.com/2016/04/sira3.html


[1] _جَمع حَياة.
[2] _فَظَّ الرَّجُلُ: أَيْ كان مُسِيئاً وقاسِيا.
[3] _شَخص غَلِيظٌ : صَعْبٌ، فَظٌّ، خَشِنُ الْمُعَامَلَةِ، مُتَشَدِّدٌ.
[4] _الفاحِش: الذي في كَلامه فحش، والمُتفحش: الذي يَتكلف ذلك ويَتَعمده.
[5] _الصَّخَبُ: الصِّياحُ والجَلَبة وشِدَّة الصَّوت واختلاطُهُ.
[6] _اسم الرجل: أبو وَهْب بن عمرو بن عائذ ابن عَبْد بن عِمْران بن مخزوم (ابن هشام: 1/210).
[7] _البَغِيُّ: الفاجرة تتكسّب بِفُجُورها، والبَغْيُ: الظُلم.
[8] _ذَكر المُحقق في هوامِشه: قال أبو ذر: "لم ترع (بالبناء للمعلوم) أي: لم تفزع. ومن قال لم ترع (بالبناء للمجهول) فإنما يَعني الكعبة، فأضمرها لتقدم ذِكرها. ومن قال لم نزغ فإنما يَعني لم نَمِل عن دينك ولا خَرجنا عنه، يقال: زاغ عن كذا، إذا خَرج عنه" ا هـ (ابن هشام: 1/212).
[9] _أركان الكَعبة: مُلتقى كلِّ جِدارين فيها وهي أربعة، تَرتيبها عند بِداية الطَواف: الرُكن الشرقي أو الرُكن الأسود يُوجد به الحَجر الأسود ومِنه يُبدأ الطَواف بالكعبة وسُمي بالشرقي لكونه باتجاه الشرق ثم الرُكن العِراقي ويُسمى بالرُكن الشمالي لِمُواجهته للشمال تقريبا ثم الرُكن الشامي ويُقال الرُكن المَغربي أو الغَربي لِمُواجهته المَغرب تقريبا ولكونه باتجاه الشام ثم الرُكن اليَماني  أو الجنوبي لمُواجهته للجنوب تقريبا ولكونه باتجاه اليمن . و إذا أُطلِقَت كَلمة الرُّكن فيُقصد بها رُكن الحَجر الأسود، و إذا أُطلِقت كلِمة الرُّكنين فيُراد بها رُكن الحَجر الأسود والرُكن اليماني، وتَسميتها: الرُكنان اليَمانيان.
[10] _ذَكر المحقق في الهامش :"هو باب بني شيبة، كان يُقال له في الجاهلية باب بني عبد شمس، ويُقال له الآن باب السلام، وفي رواية: "أول من يَدخل باب الصفا". ورُوِيَ أن المُشير على قريش مهشم بن المغيرة (ابن هشام: 1/214).
[11] _(ابن هشام: 1/214).
[12] _أي بنَاحية من زَواياه.
[13] _(ابن هشام: 1/214).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـموقع دروس تربوية